سليمان أبو ارشيد
25/04/2024
تكتسب هذه الاحتجاجات أهمية خاصة ليس فقط كونها تمثل معاقل النخبة الأميركية وتعبيرها عن مزاج جيل الشباب الأميركيين الذي تظهر استطلاعات الرأي انقلابا غير مسبوق في حجم تأييده لإسرائيل، بل في الشعارات التي ترفعها أيضا.
“مخيم التضامن مع غزة” في جامعة كولومبيا (Getty Images)
في وقت صادق فيه الكونغرس على تخصيص 26 مليار دولار لدعم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يصح وصف قرار “العقوبات” التي فرضتها إدارة الرئيس بايدن على كتيبة في الجيش الإسرائيلي المسماة “نيتسح يهودا” بأنه مجرد نكتة، بتعبير أحد الكتاب الإسرائيليين.
روغل ألفر ذكر في مقال نشرته “هآرتس” بأن ما تسمى بـ”نيتسح يهودا” هي ليست كتيبة متمردة داخل الجيش الإسرائيلي ولا هي مليشيا مستقلة غير خاضعة لقائده الأعلى، فالجيش الإسرائيلي هو تنظيم بيروقراطي وإذا كانت هذه الكتيبة تنفذ سياسة أبرتهايد واحتلال وتعطي غطاء لاعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين فإنها تفعل ذلك بأوامر عسكرية عليا، ووفق هذا المنطق فإذا كانت الكتيبة متهمة فإن قائد أركان الجيش ووزير الأمن ورئيس الحكومة هم متهمون أيضا، ما يعني أن هذه العقوبات يجب أن تطال الجيش والدولة.
كتيبة “نيتسح يهودا” وهي اختصار لـ”شباب حريدي عسكري”، كانت قد أقيمت أصلا لاستيعاب الحريديين المتسربين من مدارس التعليم الديني وتحولت لاحقا، بسبب قلة المجندين الحريديين إلى إطار يضم مستوطنين من “شباب التلال” و”الحريديين القوميين” الذين يتبنون آراء اليمين المتطرف ولم يتم استيعابهم في وحدات قتالية أخرى، كانت قد تورطت في سلسلة فظائع ضد الفلسطينيين دون أن يتم كما جرت العادة بمحاسبة أفرادها، وهو ما جعلها محط أنظار وزارة الخارجية الأميركية التي بدأت بجمع المعلومات عنها منذ العام 2022.
ومن أبرز فظائع هذه الكتيبة جريمة قتل المسن عمار أسعد (80 عاما) الذي يحمل الجنسية الأميركية ليلة 12 كانون ثاني عام 2022، بعد اعتقاله من قبل الكتيبة المذكورة خلال نشاط ميداني في قرية جلجليا، وتركه ملقى في ساحة أحد البيوت دون تقديم الإسعاف له ومحاولة إنقاذ حياته.
وفي آب من نفس العام وثقت وسائل التواصل الاجتماعي أربعة جنود من كتيبة “نيتسح يهودا” يضربون ويركلون مواطنين فلسطينيين وهم مستلقون على الأرض على مقربة من رام الله، وفي جريمة أخرى شارك 14 جنديا من تلك الكتيبة في الاعتداء على مواطنين بدو من النقب وهددوهم بالسلاح دون سبب يذكر، وكل ذلك دون حساب وعقاب رادع.
لكن رغم عدم التقليل من مثل هذه الجرائم فإن التركيز عليها في وقت يجري فيه ارتكاب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، هو بالضبط ما تسعى إليه الإدارة الأميركية من إدانة كتيبة “نيتسح يهودا” وتبرئة كامل الجيش الإسرائيلي وقيادته العسكرية والسياسية المسؤولة عن مجمل جرائم الاحتلال، الاستيطان والحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وغيرها من المواقع الفلسطينية والعربية التي تطالها الأسلحة أميركية الصنع التي يمتلكها هذا الجيش.
الإدارة الأميركية في الوقت الذي تعلن بخطواتها تلك عن نزع الثقة بمنظومة إنفاذ القانون الإسرائيلية وقدرتها على محاكمة ومعاقبة المخالفين بنفسها، وبقدرة الجهاز السياسي الإسرائيلي على استنكارها واجتثاثها، فإنها وكما تقول الكاتبة نوعا لانداو، تقوم بالفصل بين المركز الإسرائيلي وهوامشه، بين الرسمي والمتطرف وبين المنظومة كلها وبين البقع المعتمة فيها وبالمجمل هي تفصل بين الجيش الإسرائيلي الذي تسلحه الولايات المتحدة بمليارات الدولارات وبين كتيبة عينية جدا منه، مثلما تفصل بفرضها عقوبات على عدد من المستوطنين بين سياسة الاستيطان التي لم تنجح في فرملتها يوما وبين نفر من المستوطنين العنيفين.
ولن تنجح مثل هذه الخطوات الرمزية التي تهدف إلى ذر الرماد في العيون، من حجب حقيقة الموقف الأميركي الداعم والمتواطئ مع إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد شعبنا الفلسطيني، خاصة في ضوء تعاظم “انتفاضة الطلاب” التي باتت تمتد إلى غالبية الجامعات الأميركية الشهيرة في وقت فشلت فيه سياسات القمع التي مارستها الشرطة والتهديد بإدخال الحرس الوطني في إطفاء شعلتها التي انطلقت من جامعة كولومبيا بعد أسبوع على هذه الاحتجاجات.
وتكتسب هذه الاحتجاجات أهمية خاصة ليس فقط كونها تمثل معاقل النخبة الأميركية وتعبيرها عن مزاج جيل الشباب الأميركيين الذي تظهر استطلاعات الرأي انقلابا غير مسبوق في حجم تأييده لإسرائيل، بل في الشعارات التي ترفعها أيضا وخاصة شعارها المركزي، “فلسطين حرة من البحر إلى النهر”، والذي لا يحصر القضية الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967 بل يتعامل مع إسرائيل بالمجمل كدولة استعمار استيطاني قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني وفوق أرضه، وهو ما يثير غضب اللوبي واليهودي والدوائر الصهيونية التي تستعمل ضدها سلاح اللاسامية.