عدنان عبد الرزاق
العربي الجديد
02 يوليو 2024
مظاهرات احتجاجاً على العنف ضد السوريين في تركيا/ حلب 1 يوليو 2024 (فرانس برس)
انتهت القصة، بعض الشباب الطائشين المعبأين عنصرياً جراء خطاب المعارضة التركية، اعتدوا على بعض ممتلكات السوريين بولاية قيصري، جراء حادث تحرّش، وانتهى الأمر.. صحيح أنه امتدّ إلى بعض الولايات التركية، كغازي عنتاب وهاتاي وأنطاكيا، لكن الامتداد كان بفعل حسابات مزيفة على وسائل التواصل، تم كشفها واعتقال المحرضين نباشي الفتن، وانتهى الأمر.
وصحيح أيضاً أن الاحتجاجات على انتهاك حقوق السوريين وممتلكاتهم وصلت إلى شمال غربي سورية “المحرر”، لكن ذلك التوسّع جاء بسبب اندساس الراديكاليين والإرهابيين وأعداء الشعبين السوري والتركي، فحرضوا وأساؤوا لتركيا وعلمها ورموزها، تم كشفهم ومن وراءهم، وانتهى الأمر. أعتقد أن آراء تسطيحية كهذه، إن لم أقل سطحية، لا تسعى لحل أس وجذر المشكلة، بقدر ما تلعب على الزمن ومحاولة حجب أشعة الشمس بغربال، عبر تسكين وعاطفة حيناً، وشعاراتية وخلط وتخويف بقية الأحايين.
ببساطة، لأن المشكلة ماثلة وتتعاظم منذ سنوات، والسكوت عنها أو محاولة الالتفاف عليها عبر إلباسها حللاً مؤامراتية أو رمي أسبابها للخارج فقط، هو محاولة يائسة لدفن جمر يتقد تحت رماد واهٍ، سيشتعل كلما هبت رياح العنصرية أو لاحت ملامح التقارب مع نظام بشار الأسد، أو حينما يشعر نحو ثمانية ملايين سوري، بتركيا وشمال سورية، أنهم صفقة أو ورقة بيعت لقاتلهم، بعد كل التضحيات والآمال والوعود التي أطلقها الأنصار للمهاجرين عبر ثلاثة عشر عاماً، عاشها نيف وثلاثة ملايين لاجئ سوري بتركيا، من أنتم إخوتنا وصولاً إلى أنتم سبب بلوانا.
نقاط نظام هنا، لا بدّ من التطرق إليها، ولو مروراً، ليستوي القول ولا يخرج السوريون ناكري الجميل، جاحدين لكل ما قدمته تركيا عبر سني تهجيرهم ولجوئهم. أول تلك النقاط أن تركيا مشكورة على كل ما قدمته، من استضافتها أكبر عدد لاجئين سوريين وتقديم الخدمات بالمجان، صحة وتعليم أولاً، فضلاً عن بعض المساعدات المالية التي كانت تصل عبر المساعدات الدولية، بل وتعامل حُسد عليه السوريون لسنوات من أقرانهم اللاجئين بدول المنطقة، قبل تأجيج الفتن وتعالي صيحات العنصرية وتحوّل السوريين إلى ورقة سياسية، تتقاذفها المعارضة والحكومة قبيل كل استحقاق وانتخابات وأزمات.
وثاني النقاط أن 3.2 ملايين سوري بتركيا، لا يعيشون على المساعدات أو المعونات، بل تركيا، لمن لا يعلم، لا تقدم معونات للاجئين كما الدول الأوروبية، إلا بعض المبالغ الصغيرة ولبعض الأسر ومن مال المساعدات خارجية. بل جلّ السوريين بتركيا ساهموا وما زالوا في نهضة العقارات وتحريك عجلة الاقتصاد وزيادة إنتاجية المعامل، بل وباعتراف أرباب الاقتصاد التركي، كان للسوريين الذين تصدروا الاستثمارات الخارجية لسنوات دور مهم بالتصدير وزيادة الإنتاج وخلق أنماط اقتصادية جديدة، إن استهلاكية أو إنتاجية.
وآخر نقاط النظام هنا أن من حق تركيا السيادي أن تقيم علاقات مع من تشاء وتعيد علاقات مع ما تشاء، انطلاقاً من مصالحها أولاً ولأن السياسة بلا دين أو أخلاق أو ثبات ثانياً، ولكن لا أن أعتقد من حقها مصادرة آراء من هم على أرضها أو من هم بالمناطق المحررة، ليقبلوا بما تراه مصالحها وكأنهم رهائن أو أرقام.
قصارى القول: صحيح أن بيان 41 منظمة مجتمع مدني تركية حرك أخيراً العنصرية، بعد إصدارها بياناً طالبت خلاله الحكومة بترحيل اللاجئين، بعد تكرار معزوفة اتهامهم بتردي معيشة الأتراك وغلاء الأسعار وسرقة فرص العمل، ما صعّد العداء والمواجهات إلى الأعنف على الاطلاق.
لكن الصحيح أيضاً أن ذلك البيان نتيجة أو تتمة، لأن الأسباب تتراكم منذ سنوات، جراء تضييق حركة السوريين بين الولايات، بسبب رفع أسعار إيجارات المنازل وإغلاق مناطق بوجههم، ممنوع عليهم سكنها، وجراء استغلال قوة عملهم عبر أجور رخيصة واستغلال الحاجة، لتأتي حالات الاستهداف والترحيل القسري إلى مناطق غير آمنة أخيراً، كتتويج لسنوات العنصرية التي ترافقت وتلت الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية.
نهاية القول: لن تمرّ الأحداث التي جرت أخيراً بسلام، إن كان على صعيد الاقتصاد التركي الذي سيكون أول من سيدفع الثمن، إذ إن سياحة في أوج موسمها، وذلك بعد مشاهد تكسير محال السوريين وممتلكاتهم ووعيد العرب من بعض العنصريين، أو على صعيد الإنتاج وحركة الأسواق، بعد إضراب العمال السوريين وخوفهم من الخروج من منازلهم… ولا حتى على مستوى بنية الاقتصاد والمجتمع برمته، لأن استسهال التعدي والإيذاء، من دون عقوبات رادعة، لن يحصر التطاول باللاجئين أو الضيوف أو السياح، بل سيغدو نمط تعاطٍ يفكك المجتمع التركي ويهدد تماسكه.
لذا، لن يجدي الحل، هذه المرة خاصة، عبر وعيد أو وعود، ولا “بتبويس شوارب” وتعويض المتضررين أو ترحيل المسيئين، إنما عبر قانون صارم، يجرّم العنصرية أولاً ويحفظ حق السوريين الذين لم تعترف تركيا أنهم لاجئون حتى اليوم، بل تعاملهم وفق قانون خاص “حماية مؤقتة”، الأمر الذي يبدد حقوقهم ويبقيهم في موضع الاستهداف، وعبر القانون يضمن حقوقهم “المهاجرين” بالعمل والإقامة والتنقل، حتى لو تمت صفقة التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، لأن الشعبين التركي والسوري محكومان بالجغرافيا والعلاقات التاريخية التي لن تؤطّر بمقاس نظام أو فترة حكم، وإلا تبقى بؤرة أحداث في زمن تسعى خلاله أنقرة إلى صفر مشاكل.