تقارير عربية – رام الله – مالك نبيل
العربي الجديد
25 سبتمبر 2024
هدْم منزلين في الخليل من جانب قوات الاحتلال 17 إبريل 2024 (Getty)
بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي قراراً صادراً عن قائد المنطقة الوسطى في الجيش، يهودا فوكس (المسؤول عن مناطق الضفة الغربية) في السابع عشر من يوليو/تموز الماضي، والذي يتيح للقوات الإسرائيلية هدم البيوت الفلسطينية في المناطق المصنّفة “ب”، أي الخاضعة للسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية، ازدادت حدّة الإجراءات الإسرائيلية بشأن ذلك. ومن جملة هذه الإجراءات كان توزيع إخطارات هدم في المناطق “ب” الواقعة شرق محافظة بيت لحم، وصولًا إلى هدم أربع منشآت سكنية وزراعية وتجارية في بلدة بيت عوا، جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية، في مشهد يوحي بتطبيق عملي متسارع لخطّة الضم الإسرائيلية.
وكان جيش الاحتلال قد نفّذ عملية هدم في التاسع عشر من الشهر الجاري، طاولت منزلًا وبركسًا، وغرفتين زراعيتين، وأرضية مجهّزة للبناء قيد الإنشاء، في بلدة بيت عوا؛ بذريعة قرب المنشآت من جدار الفصل العنصري.
وتتجاهل هذه الخطوة الإسرائيلية غير المسبوقة منذ سنوات، كل الأوراق الثبوتية والملكية التي يحملها صاحب المنزل محمد السويطي، ما يعني تجاوزًا واضحًا للصلاحيات الفلسطينية. ويقول السويطي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الاحتلال أخطره قبل الهدم بأربعين يومًا، ما دفعه للتوجه إلى المؤسسات الحقوقية ومتابعة القضية قانونيًا؛ بهدف وقف سريان الإخطار.
ويتابع السويطي: “المنشآت مرخّصة من قبل بلدية بيت عوا، وأملك بها طابو فلسطينيا، ولدي اشتراك خدماتي، ورغم ذلك جرى هدم المنزل دون تسليم أي أوراق قانونية، ولم يمهلنا ضبّاط وجنود الاحتلال أن نتابع الأمر قانونيًا، وهذه أول مرة يتم فيها هدم منشآت بالمنطقة، ما يعني أن حياتنا باتت في خطر”.
ويوضح صاحب المنزل أنه كان يتابع قضية الإخطار من خلال إجراءات قانونية عبر مؤسسة “سانت إيف لحقوق الإنسان”، وقد أبلغوه في وقت سابق أن لا خطر على منزله من الهدم، كونه في منطقة مصنّفة “ب”، وأن إخطار الاحتلال قد يتم تجميده، غير أن الهدم جاء مفاجئًا وسط عدم متابعة القضية من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية؛ التي لم تتواصل معه في أعقاب حادثة الهدم.
تفاصيل عن موقع الهدم جنوب الخليل
ويقع موقع الهدم في منطقة محاطة بمثلث استيطاني، حيث يبعد جدار الفصل العنصري عنها نحو 200 متر “جنوبًا” والشارع الالتفافي (خط 60) الفاصل بين المنطقة وأراضي الداخل المحتل من شرق البلدة وغربها، حيث تقع مستوطنة “نيجهوت” التي يعمل الاحتلال على ربطها بمستوطنة “متسبيه لخيش/جفعات هبستان” وهي مستوطنة شرعنتها سلطات الاحتلال في مايو/أيار 2022، بحسب ما يقوله مدير عام بلدية بيت عوا، أحمد السويطي في حديث مع “العربي الجديد”.
وبحسب السويطي، فإن الاحتلال أبلغهم أن المنازل المحاذية للجدار تشكّل خطرًا أمنيًا على حركة مركبات المستوطنين المارّة من الشارع الالتفافي الملاصق للبلدة من شمالها إلى جنوبها، حيث تمرّ منها بشكل يومي مركبات المستوطنات الخدماتية، ومركبات المستوطنين الخاصة. وأكد أن عشرات المنازل والمنشآت في البلدة أقيمت قبل بناء جدار الفصل العنصري، مثل مدرسة البلدة الأساسية، ومقبرة البلدة وكلها باتت في عداد الخطر والهدم.
على ماذا تنص اتفاقية أوسلو بشأن الضفة الغربية؟
وكانت اتفاقية أوسلو قد قسّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وهي مناطق (أ) تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة بواقع 18% من المساحة الإجمالية للضفة، ومناطق (ب) تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية على مساحة 22%، ومناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية والتي تحتل المساحة الأكبر بـ60% وسط ظروف صعبة مهددة بالتهجير والإخلاء لسكّانها وأصحاب الأراضي فيها.
هدْم منزلين في الخليل من جانب قوات الاحتلالويلفت السويطي إلى أن الاحتلال وعند بناء جدار الفصل العنصري لم يأخذ بعين الاعتبار التقسيمات المتفق عليها في اتفاقية أوسلو، ما جعل المناطق المصنّفة “ب” وفق المخططات الهيكلية الفلسطينية، كما المناطق المصنّفة “ج” أي أنها قد تشكل خطرًا على الأمن الإسرائيلي وفق ادعائهم، وذلك يجعل المنطقة ككل تواجه خطر السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ويستخدم الاحتلال وسائل أخرى تمهيدًا للتهجير، حيث أغلق مدرسة البلدة المحاذية للجدار العام الماضي أسبوعًا كاملًا خلال العام الدراسي، بحجّة أن طلبة المدارس يلقون الحجارة على مركبات المستوطنين من وراء الجدار.
غير أن السويطي يرد قائلًا: “ارتفاع الجدار 12 مترًا من المواد الإسمنتية والأسلاك الشائكة، وبالتالي يصعب على طلبة المدارس أن يلقوا الحجارة، لكن الاحتلال اتخذ ذلك ذريعة من أجل فتح بوابة من وسط الجدار بالقرب من المدرسة، بهدف تسهيل اقتحام البلدة والمدرسة وطرد الطلبة كما يحصل من فترة لأخرى عبر إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المدرسة”.
ووفق السويطي، فإن الاحتلال أخطر في وقت سابق نحو 20 منزلًا في البلدة بالمناطق المصنّفة “ج” ويمهد لإخطار عشرات المنازل الأخرى كونها قريبة من الجدار الفاصل الذي أقيم على مساحة تقدر بـ 4 كيلومترات من أراضي البلدة، ما يعني أن عدد المنازل المهددة بالإخطار والهدم قابل للزيادة.
وتعتبر بلدة بيت عوا من البلدات الصغيرة التي يعيش فيها نحو 13 ألف نسمة، على مساحة تقدر بـ 13 ألف دونم، منها 5.6 آلاف مصنّفة “ب” والمساحة المتبقية “ج” تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويقول السويطي: “لم يبق مكان آمن في بلدة بيت عوا، إذ كان الناس يجبرون على البناء في مناطق (ج) إثر عدم وجود مساحة في المناطق الأخرى، واليوم باتت كل المناطق في خطر، والبلدة أشبه بعلبة سردين”.
وبحسب السويطي، فإن إجراءات الاحتلال بحقّ بيت عوا تدفع الكثير من العائلات للتفكير في الخروج والبحث عن مكانٍ للعيش خارج البلدة، خاصّة وأن الاحتلال يحاصرها من مداخلها الثلاثة، ويضع نقطة عسكرية عند مدخلها الرئيسي، ويتحكّم في المداخل والمخارج الأخرى، عدا عن الاقتحام اليومي لقوات الجيش.
لجنة الدفاع عن أراضي الضفة: الاحتلال يهدف إلى الاستيلاء الكامل
بدوره، يرى عضو لجنة الدفاع عن الأراضي في الضفة الغربية، عبد الهادي حنتش، خلال حديث مع “العربي الجديد”، أن تقسيمات (أ-ب-ج) التي حددتها اتفاقية أوسلو لم تعد قائمة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وأن الإجراءات الإسرائيلية تهدف لتطبيق الضمّ والاستيلاء الكامل على الضفة الغربية، تمهيدًا لفرض القانون الإسرائيلي عليها. وبحسب حنتش، فإن عمليات الهدم تأتي انعكاسًا عمليًا لتعهدات وزير المالية الإسرائيلي، زعيم تيار الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، والتي تنصّ على السيطرة الكاملة إسرائيليًا على الضفة، واعتبار المناطق “ب” ملحقة بمناطق “ج” وبالتالي التأسيس للتوسعة الاستيطانية على حساب الأراضي الفلسطينية. ومن جانب آخر وفق حنتش، قطع الطريق على المواطن الفلسطيني من التوسع والتمدد العمراني في القرى والبلدات، والمدن الفلسطينية، وهذه رسالة إسرائيلية واضحة بأنها التي تتحكم بالخطوط الفاصلة والمساحات.
وعلى المدى الاستيطاني القصير، تهدف عمليات الهدم في مناطق “ب” إلى خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات والبؤر الاستيطانية عبر المنطقة المسماة إسرائيليًا “كوريدور” والتي يمنع فيها البناء والزراعة وهي أراضٍ فلسطينية، تمهيدًا لاستعمالها في شقّ الشوارع، وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، ولاحقًا تغيير صفة الفلسطيني من مالك للأراضي إلى صفة متصرّف، أي نزع الشرعية القانونية لأصحاب الأرض.