محمد علي صايغ
أكتوبر 3, 2024
ضربات جوية إسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية
في الحروب المصيرية، تتكسر كل التفاصيل أمامها.. وتنزاح كل الدعوات الشعبوية والشوفينية وما قبل الوطنية والقومية ، وتفترض هذه الحروب أن تسود الدعوات الجامعة من كافة القوى الحية ونخبها في رؤية موحدة للحرب ، وخاصة إذا كانت الحرب وجودية ..
عبد الناصر بعد هزيمة حزيران 1967 ورغم الخلافات العميقة مع الكثير من الأنظمة العربية التقدمية والرجعية معاً، أعلن ” وحدة الصف العربي ” في مواجهة العدو الإسرائيلي من أجل إزالة ٱثار العدوان ، وذهب إلى قمة الخرطوم ليجمع العرب حول شعار ” لا صلح ، لا تفاوض ، لا اعتراف بإسرائيل ” .
في معترك الحروب الكبيرة ، لا يجب أن تطفو الحروب الصغيرة في كيان الأمة الواحدة ، وتفرض تأجيل كل الخلافات والصراعات والمواقف البينية ، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة العدوان ورفع المعنويات وتقديم كل ما يلزم من أجل الانتصار أو على الأقل منع الهزيمة ..
ومع الأسف لا زالت هناك أصوات بالرغم من اتساع العدوان من غزة إلى لبنان ، ومع بداية التدخل الإسرائيلي البري ، فإن هذه الأصوات التي تفتت الموقف الواحد تعمل أو تحرك وتتحرك في استدعاء الماضي البعيد والقريب في مٱسيه وٱلامه ، في وقت تتقاذف ٱلات الموت الإسرائيلية العنصرية وحممها قتلاً وتدميراً على شعبنا الفلسطيني واللبناني ، ويتصاعد العدوان الصهيوني ويحاول ويعمل على أن يمتد على الأراضي العربية ..
هذه الموجة من ردود الفعل ، والتي أسست لها وكالات إعلامية كبرى خلال عشرون عاماً ، من أجل تشويه العقل العربي ومصادرته باتجاه تغيير خياراته وأولوياته ، وجعل العدو الإيراني عدواً وجودياً ، فيما لم يعد في ذهنية الكثيرين أن العدو الإسرائيلي عدواً ، وفي أبعد تقدير عدواً يأتي في المرتبة الثانية بعد العدو الإيراني .. دون التمييز بين عدو وجودي استيطاني يقضم الأرض ويزيل البشر ، وبين عدو سياسي يستخدم أوراقه السياسية والدينية من أجل أن يكون له نفوذ في منطقتنا في مجال لعبة السياسات الدولية والإقليمية ليكون له أوراق لعب مهمة في تلك السياسات ..
لم تكن معاهدات كامب ديفيد وأوسلوا ، ووادي عربة وغيرها من أجل إحلال السلام في منطقتنا العربية ، وإنما من أجل إخراج مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية من الصراع العربي – الإسرائيلي نهائيا ، كما لم تكن الحرب على العراق من أجل إزالة الديكتاتورية وإنهاء صدام حسين ، وإنما لإنهاء قوة العراق وضرب خاصرة الأمة العربية وإخراجها من أية مواجهة مستقبلية ..
واليوم فإن العدوان الأسرائيلي على لبنان والشعب اللبناني ليس كما يدعي الكيان الصهيوني ومعها الولايات المتحدة الأمريكية في وجهها القبيح الذي أصبح معلناً ، من أجل عودة مستوطنيه إلى الشمال ، أو لإنهاء حزب الله وقوته وترسانته المهددة له ، وإنما هي جزء من مخططات كبرى للشرق الأوسط ، لتكون جميع الدول فيه تحت إرادة وسيطرة الصهيونية العالمية ، ولتفرض على الدول العربية من خلال الزخم الناري الرهيب بأنها القوة التي لا تقهر والتي بمقدورها الوصول إلى أقصى الأرض ولا مجال لأحد الوقوف بوجهها ، وما على هذه الدول إلا الزحف نحوها والتطبيع معها ، وتقديم فروض الطاعة لها .. والمصيبة الكبرى أن التطبيع الذي روجت له زمناً طويلاً الهندسات الإعلامية المركزة لم يعد مجرد تطبيع في ذهنية الزعامات العربية وإنما أمتد التطبيع لعقول الناس وكثير من القوى والنخب السياسية .
والدخول البري إلى الجنوب اللبناني فيما لو حقق أهدافه ، فإن المؤشرات تتجه إلى استمرار تقدمه وفق مخطط ” ممر ديفيد ” الذي يتمسك به ” نتنياهو ” رئيس وزراء الكيان الصهيوني ، والذي يمتد من جنوب لبنان الى السويداء ودرعا وصولا إلى التنف ليلتقي بالقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا ، ممر يعزل نهائيا سوريا عن العراق ، ويكون مقدمة لتقسيم سوريا ، وتنفيذ مخططات الشرق الأوسط الجديد التقسيمية في الدول الأخرى .. هذا المخطط الكبير ليس بمنأى عنه الدول العربية وتركيا وإيران وغيرهم .. وأيضاً بعد استكمال حلقة الامتداد من غزة إلى جنوب لبنان ( في حال القضاء على المقاومة الفلسطينية إن استطاعوا ) فإن مخططات الطريق الهندي إلى الأردن وحيفا على البحر الأبيض المتوسط مقابل خط الحرير الصيني الذي سيقف بوجه امتداده ” ممر ديفيد ” سيكون هذا الخط البري الذي يصل حيفا جاهزاً دون عوائق أو سدود في وجهه ..
إذن ما يجري في لبنان وغزة ومن قبلها تكويع كل ارتدادات الربيع العربي في إعادة تشكيل أوترتيب البيت الداخلي للأنظمة العربية وفرض تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية ، هو جزء من مخططات الشرق الأوسط أعدت منذ زمن بعيد ، وقد أعلنت أمريكا على لسان مسؤوليها ” كونداليزاريس ” ومستشاري أمنها القومي ، ومراكز أبحاثها بكل وضوح ووقاحة معلنة عن تلك المخططات ، وهي تستثمر كل حدث من أجل المضي على طريق تنفيذه.
إن عدم وعي ما يخطط لأمتنا ، وما يجري تنفيذه ، وبقاءنا ندور في دوامة الأحداث الصغيرة أو التركيز على ماهو ظاهري وٱني، وعدم القراءة الموضوعية للأحداث التي تجري وتتحرك حولنا ، يعطي الكيان الصهيوني مداً في تنفيذ مخططاته دون أن ندري ، ويفسح المجال أمام نوازع لدى البعض بردة فعل ، صحيح تستند إلى مواجع كبيرة داخليه فيها ، ولكنها من المفترض أن لا تصل إلى القول ” عدوين يقتتلان ” ما لنا ولهم ، مؤكدين على المثل الشعبي ” فخار يكسر بعضه ” .. وهم بدون دراية منهم يقفون بمؤازرة الكيان الصهيوني ، إذ لا بد في أي موقف وحتى يكون الموقف صحيحاً ، أن يستند إلى وجود أساس في تحديد الرؤية والموقف ، فالبناء أي بناء يستند إلى أساسات في تشييده ، وعندما يتغير الأساس يتغير البناء وشكله ومحتواه .. والسؤال الذي علينا دائما أن نسأله لأنفسنا في هذا السياق : هل العدو الاسرائيلي العنصري يتساوى مع أي عدو ٱخر ، وهل هذا العدو الٱخر أخطر من العدو الإسرائيلي ؟؟ وهل صراعنا مع الكيان العبري الصهيوني صراع حدود أم صراع وجود ؟؟
لا شك في الإجابة على هذا السؤال فإن مواقفنا بالتأكيد ستتغير تبعا للجواب وانحيازاته ، وستكون مواقفنا متوازنة وموضوعية تبتعد عن المواقف العاطفية أو عن ردود الأفعال الغريزية .. وبغير ذلك فإننا لا نستند إلى أي معيار أو أساس ..
من هنا نقول هناك ما هو صراع وجودي يجب التعامل معه بموقف واحد وموحد ، وهناك صراع مؤجل الٱن يجب الوقوف عنده فيما بعد ، ومحاسبة أطرافه فيما ارتكبوه بحقنا وحق شعبنا ..
واليوم على كافة القوى الوطنية والقوى الحية في جميع أرجاء الوطن العربي الوقوف بوجه العدوان الإسرائيلي ، والوعي لأهدافه ومخاطره على بلدنا وأمتنا .. ذلك موقف تاريخي .. والتاريخ لا يرحم أحداً .