تحرير: بلال ضاهر – عرب ٤٨
04/12/2024
“بالنسبة لإسرائيل، استهداف كبير لنظام الأسد وربما إسقاطه سيشكل ضربة شديدة لإيران وأذرعها، ولروسيا أيضا. فيما إيران منغمسة بجهد مواجهة الأضرار التي تعرض لها حزب الله في لبنان وتواجه صعوبة في نقل مقاتلين وموارد إلى سورية”
التقدم السريع لقوات المعارضة
رجح تقرير إسرائيلي أن المعارضة المسلحة في سورية شنّت هجومها على مناطق خاضعة لسيطرة النظام في منطقتي حلب وإدلب، الأسبوع الماضي، في أعقاب ضوء أخضر تركي، في محاولة لممارسة ضغط على النظام من أجل التقدم نحو تسوية العلاقات بين الجانبين.
واعتبر التقرير، الصادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، أنه “بالرغم من أن إسرائيل ليست ضالعة مباشرة بهذه التطورات، إلا أنه من الواضح أن الضربة الشديدة التي وجهتها إلى محور المقاومة في لبنان وسورية، وكذلك تهديداتها المباشرة للأسد بألا يسمح باستمرار التموضع الإيراني في أراضي دولته، شكلت حافزا للمتمردين وتركيا”.
وتطلق المعارضة المسلحة على الهجوم، الذي بدأ يوم الأربعاء الماضي، تسمية “ردع العدوان”، بهدف لجم الهجمات التي تشنها قوات النظام وروسيا والتي تصاعدت في الأشهر الأخيرة وبهدف استئناف وقف إطلاق النار الذي جرى الإعلان عنه في آذار/مارس العام 2020 في إطار اتفاق روسي – تركي.
وحسب التقرير، فإن توقيت الهجوم ليس عفويا، وإنما تأثر جدا بأحداث الحرب على غزة ولبنان. واعتبر أن “الهجوم بدأ فيما ’محور المقاومة’ بقيادة إيران موجود في حالة ضعف شديد. وحزب الله وباقي الميليشيات الشيعية تضررت جدا إثر الحرب المستمرة مع إسرائيل، وبشكل أكبر بعد عملية ’سهام الشمال’ العسكرية الإسرائيلية”، أي التوغل البري في جنوب لبنان.
وتابع التقرير أن “التواجد الواسع لميليشيات ’محور المقاومة’ في حلب ومناطق أخرى في سورية تقلص بعد نقل قسم من الناشطين إلى لبنان ونتيجة موجة التصفيات التي نفذتها إسرائيل في هذه المنطقة. ورصد المتمردون الذين تابعوا وضع ’المحور’ وجود فرصة للهجوم”.
وفي أعقاب استهداف إسرائيل الشديد لأذرع إيران وهجماتها في الأراضي الإيرانية خلال الحرب في السنة الأخيرة، أصبحت “إيران منغمسة بجهد مواجهة الأضرار التي تعرض لها حزب الله في لبنان وتواجه صعوبة في نقل مقاتلين وموارد إلى سورية”، حسب التقرير.
وأضاف التقرير أنه “واضح أن إيران فوجئت بهجوم المتمردين وإنجازاتهم حتى الآن. وكما هو متوقع، فإن إيران تتهم إسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية عن الهجوم في إطار ’مؤامرة’، غايتها إضعاف ’المحور’ الموالي لإيران في المنطقة بشكل أكبر”.
وأشار التقرير إلى أن إيران تركز على جهود سياسية – دبلوماسية، تتمثل بمحادثات أجراها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بداية الأسبوع الحالي، مع نظرائه في سورية وروسيا ولبنان، للتباحث في الوضع وبهدف دعم نظام الأسد، وبعد ذلك زيارته إلى أنقرة، وتشديده خلال ذلك على دعم إيران لسورية وحربها ضد المعارضة المسلحة وأن الهجوم هو نتيجة “خطة أميركية – صهيونية”.
وتوقع التقرير أن تنفذ إيران، في الأيام القريبة، خطوات تضمن استقرار حكم الأسد، “وقد تعزز مجددا تدخلها العسكري في سورية. ورغم أن امتناع الأسد عن الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة أثار توترا معينا داخل ’المحور” الموالي لإيران وانتقادات، بينها من جانب إيران، إلا أن طهران ما زالت ترى بسورية أنها عنصر حيوي ومركزي في جهودها للحفاظ على تأثيرها في المنطقة، وخاصة إعادة ترميم قدرات حزب الله العسكرية”.
وحسب التقرير، فإن “الأزمة التي تشتد في سورية تجعل إيران تواجه تحديات وضغوطا متزايدة إثر ضعف حزب الله؛ وصعوبات بإعادة تشكيل التحالف العسكري في سورية بمشاركة الحرس الثوري وروسيا وحزب الله وميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان وباكستان؛ كما أن إيران تواجه ضغوطا متزايدة عليها في الحلبة الدولية، وخاصة في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة؛ وكذلك تصاعد المواجهة المباشرة مع إسرائيل، التي أبقت إيران معرضة لخطوات عسكرية أخرى من جانب إسرائيل”.
وفيما يتعلق بروسيا، اعتبر التقرير أن هجوم المعارضة المسلحة تسبب بحرج لها. والقيادة العسكرية الروسية في سورية فوجئت من الاحتلال السريع لحلب، وردت بقصف جوي ضد المعارضة المسلحة في المدينة في محاولة لمساعدة الموالين لنظام الأسد.
وأشار التقرير إلى أن “أبواق الكرملين” حملت الولايات المتحدة وأوكرانيا المسؤولية عن الهجوم، “وشددت على أن أداء تركيا يتناقض مع تفاهمات مؤتمر أستانا، في العام 2017. وشعرت موسكو بالحرج بسبب ضعف الجيش السوري الذي غادر حلب وبسبب سقوط عتاد عسكري روسي كثير بأيدي المتمردين، وبسبب مغادرة قوة عسكرية روسية لمطار كويرس العسكري في حلب. وبسبب عدم رضى واضح من الأداء القيادي، تمت إقالة قائد القوات الروسية في سورية”.
ولا تزال مصلحة روسيا المركزية هي الحفاظ على نظام الأسد، وترددت تقارير حول مساعدات عسكرية متوقعة للنظام وربما تعزيز التواجد العسكري الروسي في سورية. لكن التقرير توقع أن تواجه روسيا صعوبات في تنفيذ ذلك بسبب جبهتها مع أوكرانيا. “كما أن هزيمة الأسد في حلب تقوّض صورة روسيا في الحلبة الإقليمية وصورتها كدولة عظمى ذات قدرة على ضمان استقرار حلفائها”.
ولفت التقرير إلى أنه “طوال الحرب الأهلية في سورية، حصل المتمردون على دعم عسكري واقتصادي ولوجستي من تركيا. ولتركيا مصلحتان مركزيتان مقابل سورية. الأولى هي استهداف الفرع السوري للتنظيم الكردي السري وتقليص سيطرة الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سورية؛ والمصلحة الثانية، إعادة قسم كبير من بين 3.5 مليون لاجئ سوري في الأراضي التركية. ولذلك كانت تركية معنية بإقامة حزام أمني في شمال سورية يستجيب لتخوفات أنقرة الأمنية ويسمح أيضا بإعادة اللاجئين إلى المنطقة التي ستكون تحت سيطرة أمنية تركيا”.
وأضاف التقرير أن “الدعم التركي للمتمردين السوريين، وبضمنهم الجهاديين، ينبغي النظر إليه في هذا السياق على أنه محاولة للضغط على الأسد كي يوافق على إعادة اللاجئين ومحاولة لتقليص سيطرة الحكم الذاتي الكردي، وبضمن ذلك الضغط على إدارة ترامب كي تسحب القوات الأميركية من سورية، والتي تدعم الأكراد”.
وتابع أنه “واضح الإحباط التركي من فشل المحاولة المتكررة للتوصل إلى تطبيع علاقات مع الأسد. وربما أن (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان يسعى من خلال الخطوة الحالية إلى ممارسة ضغط على الأسد كي يوافق على التسوية التي تضعها أنقرة، إلى جانب لجم الهجمات الروسية – السورية على مراكز المتمردين والتي من شأنها أن تؤدي إلى موجة لاجئين أخرى”.
ووفقا للتقرير، فإن “تقويض الاستقرار في سورية بدلا من المساهمة في حل قضية اللاجئين من شأنه أن يتسبب بموجة لاجئين جديدة. وصعود قوة الجهاديين في سورية من شأنه أن يسهم أيضا بالحفاظ على الوجود الأميركي في تركيا وليس تسريع مغادرتهم. وفي المدى الأبعد، من شأن الجهاديين في سورية أن يشكلوا مشكلة أمنية لتركيا أيضا”.
واعتبر التقرير أن “الأحداث الآخذة بالتطور في سورية تنطوي على جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لإسرائيل. وفي الجانب الإيجابي، فإن استهداف كبير لنظام الأسد وربما إسقاطه سيشكل ضربة شديدة لإيران وأذرعها، ولروسيا أيضا. لكن التهديد لنظام الأسد، بقدر ما يتصاعد، سيؤدي إلى تعزيز قوات إيرانية ستأتي لإنقاذه، رغم عدم تحمس طهران حيال ذلك”.
وتابع أنه “من الجهة الأخرى، انهيار نظام الأسد، إذا تحقق، من شأنه أن يؤدي إلى وضع تكون فيه منطقة تسودها فوضى وغير مستقرة لفترة طويلة. والأخطر من ذلك، نجاح جهات ذات أيديولوجية دينية – جهادية، رغم أنها أصبحت أكثر اعتدالا، في السيطرة على أجزاء واسعة في سورية وربما على مخازن أسلحة كبيرة، وبضمنها سلاح كيميائي، وتشكيل تهديد خطير على مصالح إسرائيلية”.
وحسب التقرير، فإنه “إذا استخلصت منظمات المعارضة عبرة هامة من الحرب الأهلية واتحدت في إطار عسكري ناجع، يتمكن من شن عمليات عسكرية متزامنة ضد النظام ومؤيديه وبقيادة منظمة ذات صورة معتدلة أكثر من هيئة تحرير الشام، مثل الجيش السوري الحر الذي نشط خلال سنوات الحرب، فإنه قد ينشأ بديل أفضل لنظام الأسد”.
ورجح التقرير أن الفترة القريبة المقبلة “ستكون مصيرية بالنسبة لمستقبل سورية. وفي هذه المرحلة وإلى حين اتضاح الصورة، من الصواب أن تمتنع إسرائيل عن التدخل في الأحداث في سورية، باستثناء حالة وجود تهديد على مصالحها الأمنية”.