من كتابة سبق
الاثنين 17 / 02 / 2025
في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا، كشفت وثيقة سرية حصلت عليها “رويترز” عن حوار دبلوماسي مكثف بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول مستقبل الأمن الأوكراني. الوثيقة، التي أرسلتها الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي، تطرح أسئلة مصيرية: ما حجم الدعم العسكري الأوروبي المطلوب؟ وهل ستوافق دول الاتحاد على نشر قوات في أوكرانيا؟ وكيف سترد واشنطن على أي عدوان روسي؟ التفاصيل تكشف عن خريطة طريق غربية لمواجهة الكرملين، لكنها تترك أبوابًا مفتوحة لتصعيد خطير.
توجه غير مسبوق
وكشفت الوثيقة الدبلوماسية المكونة من ست نقاط، عن توجه أمريكي غير مسبوق لقياس نطاق المشاركة الأوروبية في ضمان أمن أوكرانيا. وتساءلت الوثيقة عن الاحتياجات اللوجستية والسياسية التي قد تطلبها الحكومات الأوروبية من واشنطن، بما في ذلك الدعم العسكري قصير وطويل الأمد، في إشارة إلى احتمال تحوّل الولايات المتحدة لـ”شريك داعم” بدلًا من قائد مباشر للملف الأوكراني.
وركزت الاستفسارات الأمريكية على أربعة محاور شملت قائمة الدول الأوروبية والدول الثالثة المستعدة للمشاركة في ضمانات أمنية، وإمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا كجزء من أي تسوية سلمية، والحجم المتوقع للقوات والمدى الزمني لنشرها، والإجراءات العقابية المشتركة في حال اختراق روسيا للاتفاقيات، وطرحت واشنطن سؤالًا جوهريًّا: “ما الذي تحتاجه حكوماتكم منّا لضمان مشاركتكم الفعالة؟”، مما يعكس قلقًا من تردد أوروبي في تحمُّل أعباء أمنية منفردة.
ردود أوروبية
وأكد دبلوماسيان أوروبيان لـ”رويترز”، أن النقاش ما زال محتدمًا بين العواصم الأوروبية حول آلية الرد. بينما تفضّل بعض الدول إجابة جماعية عبر الاتحاد الأوروبي، تُصر أخرى على صياغة مواقف فردية تتناسب مع مصالحها الجيوسياسية، ومصدر دبلوماسي رفض الكشف عن هويته وصف الموقف الأوروبي بأنه “أقرب إلى لعبة الشطرنج.. كل تحرُّك ينتظر رد فعل واشنطن”.
في سياق متصل، تستعد العواصم الأوروبية الكبرى لاجتماع طارئ في باريس الاثنين المقبل، بحضور قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. ومن المتوقع أن تُناقش القمة بنود الوثيقة الأمريكية، إلى جانب سيناريوهات الرد العسكري المشترك في حال فشل المفاوضات مع موسكو. مراقبون يرون أن التوقيت المتزامن مع الذكرى الثالثة للغزو الروسي يُضفي طابعًا استعجاليًّا على الاجتماع.
عقوبات مشددة
وأثارت الفقرة الثالثة في الوثيقة جدلًا واسعًا؛ إذ تساءلت عن الحجم المحتمل لقوة أوروبية تُنشر في أوكرانيا، وآليات نشرها، والفترة الزمنية المطلوبة. مصادر عسكرية أوروبية قدّرت – في تصريحات غير رسمية – أن أي قوة مشتركة قد تصل إلى 50 ألف جندي، مع احتمال نشرها قرب الحدود الشرقية لأوكرانيا كـ”قوة ردع”.
ولم تهمل الوثيقة الملف الاقتصادي، حيث طلبت واشنطن من الحلفاء تحديد استعداداتهم لفرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو، بما في ذلك شلّ قطاعات التكنولوجيا والطاقة. كما شدّدت على ضرورة تعزيز آليات مراقبة التهريب الدولي، خاصة عبر الدول “الصديقة لروسيا” مثل إيران وكوريا الشمالية.
وبينما تُسرع واشنطن وحلفاؤها لرسم سيناريوهات ما بعد الحرب، تظل الأسئلة الأكثر إلحاحًا: هل ستتحول الضمانات الأمنية إلى وجود عسكري دائم في أوكرانيا؟ وكيف سيتجنب الغرب الوقوع في فخ “الحرب بالوكالة”؟ الأجوبة قد تُحددها الأيام القادمة، لكن الوثيقة تكشف – للمرة الأولى – أن الطريق إلى السلام قد يكون معبّدًا بالجنود والأسلحة.