د.سليم بدليسي
١٠ آذار مارس ٢٠٢٢
الجزء الأول (1 من 3)
مقدمة
ولاية حلب هي إحدى أكبر الولايات العربية التي عاشت تحت نير الاحتلال العثماني المباشر ولأكثر من ثلاث قرون قبل ولادة و نشأة مفكرنا الكبير عبد الرحمن الكواكبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث بلغت السلطنة الحاكمة أوج تسلطها.. فازدادت معاناة الأهالي من جور الحاكمين وعسفهم ومن ضعف العلوم ومن وهن اللغة العربية وفرض التتريك.. وقد بدأت اذهان احرار العرب تتفتح وعياً و هممهم تتحفز لتمزيق قيود الظلم و الظلام وقد استبد بهم الطغيان وخنق لسانهم و فرّقهم.. والكواكبي كان خير الثائرين على ذلك الوضع.. ولم تكن المجاهرة بالحق أمراً يسيراً.. ولكنه حمل على الظالمين وسعى الى اصلاح مجتمعنا الذي كان يسوده الفساد والتخلف وتسيطر عليه الواناً قاتمة من الخرافات والتقاليد.. ودأب في نضاله، مذ وعى الدنيا وحتى استشهاده، مكافحاً دون كلل، سيرة و فكراً، من أجل الحرية و الترقي للأمة العربية و للمسلمين جميعاً ولشعوب الشرق قاطبةً..
فالكواكبي مفكرٌ ثائرٌ بحقّ، يعشق الحرية ويبغض الاستبداد، متنوّر تنويري، مثقف منفتح حضارياً، مجدد الاسلام، علم خفاق بين مؤسسي القومية العربية ذات الابعاد الانسانية والحضارية، تقدمي الطموح، اشتراكي النزعة، علماني التوجّه، ذو فكر وقاد ثاقب مستشرف لآفاق المستقبل الممكن.. كما يتبين كل ذلك من سيرة حياته وفكره التنويري في مواجهة الاستبداد.. و هذا ما سنقدمه على ثلاث أجزاء نبدأها بسيرته الذاتية..
١-مولده ونشأته
ولد عبد الرحمن الكواكبي في عام ١٨٥٤ في حلب لأسرة عربية عريقة وقديمة العهد فيها ولأبوين ينتسبان للإمام علي بن أبي طالب. وعبد الرحمن هو الحفيد الرابع عشر لمحمد أبو يحيى الكواكبي الجد الأكبر للأسرة الكواكبية في حلب، المتوفي عام ١٤٩١ م، دفين جامعه المعروف باسمه في محلة الجلّوم الصغرى بحلب والذي مازال قائماً على الرغم من تعرضه لأضرار من تهديم وسرقة خلال الأحداث التدميرية التي عصفت بالمدينة القديمة في العقد الماضي. وبعد هدوء المعارك وانسحاب المسلحين بادر الأهالي إلى أعمال ترميم المسجد والضريح وقد شارفوا اليوم على الانتهاء من هذه الأعمال. نبغ من هذه الأسرة رجال تولوا المناصب الرفيعة في الإفتاء والقضاء والإدارة والتدريس كما كانت فيهم نقابة الأشراف. وكان لآل الكواكبي مساجد وأوقاف ومدارس لاتزال تعرف باسمهم حتى اليوم.
كان والده الشيخ أحمد بهائي الكواكبي (١٨٢٩-١٨٨٢) أميناً لفتوى حلب لمدة من الزمن كما كان عضواً في مجلس إدارة الولاية وقاضياً لها ثم خطيباً وإماماً في مسجد جده أبي يحيى ومدرساً فيه وفي الجامع الأموي الكبير وفي المدرسة الكواكبية التي كان مديراً لها. أما امه فهي عفيفة بنت مسعود النقيب وأبوها مفتي أنطاكية وقد توفيت سنة ١٨٥٩ وهو صغير لا يتجاوز الخامسة من عمره فاحتضنته خالته صفيّة التي أقام عندها في أنطاكية وكانت سيدة مثقفة حصيفة لها مشاركة في العلوم والمعارف فأثّرت في شخصيته وفتحت أمامه آفاقاً واسعةً للمعرفة.
تلقى الكواكبي علومه الأولى في انطاكية و في المدرسة الكواكبية في حلب حيث اعتنى والده بتربيته وتثقيفه.. فأتقن اللغة العربية وتعلم على بعض أصدقاء أبيه التركية والفارسية ومباديء الرياضيات وأخذ يطالع كتب التاريخ والفلسفة ويدرس المنطق والعلوم الطبيعية والسياسة والقوانين إلى جانب عنايته بالعلوم اللسانية والدينية التي كانت في مثل البيئة التي نشأ فيها. فاتسعت معارفه وقويت ثقافته العامة. و اذا كانت الظروف لم تتح له دراسة اللغات الاوروبية، فلقد ظهرت في كتاباته آثار قراءة المترجمات من هذه اللغات وخاصة في كتابه طبائع الاستبداد.. ومن ناحية أخرى، كان الأجانب في حلب وخاصة المقيمون من الفرنسيين والإيطاليين يمارسون السياسة الى جانب التجارة. وقد ربطت الكواكبي علاقات وثيقة بممثلي ايطاليا في الشرق الأدنى ولا سيما في حلب في نهاية القرن التاسع عشر وكان بينهم عدد من أتباع “ايطاليا الفتاة” ذات الأهداف القومية الوحدوية والتحررية والمنحدرة من جمعيات الكاربوناريين.. وهذا ما اتاح له التبادل الثقافي والمعرفي معهم..
٢-تجاربه الصحفية المقموعة في حلب
منذ مطلع شبابه، اهتم الكواكبي بالسياسة واتخذ لنفسه داراً يجتمع فيها بأصدقائه للتداول في شؤون البلاد، كما خصّ قسماً من وقته لخدمة مواطنيه. لقد دخل الحياة العامة، عام ١٨٧٥، ولمّا يكمل بعد الثانية والعشرين من عمره، محرراً عربياً ومترجماً في صحيفة “فرات” الرسمية التي كانت تصدر يومئذ بالعربية والتركية لكنه لم يستمر في العمل فيها لأكثر من سنتين لأنه وجد أن الصحف الرسمية تقيّد فكره وما يكتب من موضوعات، فنزوعه إلى الحرية جعله يتنافر مع هذا المنبر الرسمي الذي يشرف على توجيهه الوالي العثماني في حلب. وما أن رأت صحيفة “الشهباء” النور في ١٠ أيار ١٨٧٧، حتى أنضم الكواكبي، البالغ من العمر ٢٣ عاماً إلى صاحب امتيازها هاشم العطار للتحرير على صفحاتها. وهي أول صحيفة عربية أهلية في حلب وكانت تصدر أسبوعياً باللغة العربية فقط. وسلك الكواكبي في كتاباته فيها مسلكاً حراً في معالجة القضايا العامة والتنديد بالظلم والظالمين والدفاع عن حقوق الضعفاء فعلّق الوالي صدورها. وعندما عاودت الصدور استلم الكواكبي ادارة تحريرها مع الشاعر الحلبي الفيلسوف ميخائيل انطون صقال (١٨٢٤-١٨٨٥) ولكن المحرّرَين بديا أكثر جرأة في عين الوالي العثماني كامل باشا القبرصي، “المفطوم على عداءه للحرية” كما يقول الكواكبي، فأعاد إقفالها مرة ثانية. ثم عادت للصدور من جديد.. ولكن السلطات العثمانية لم تعد تطيق نقده للفساد و مقالاته التي توقظ ضمائر مواطنيه فأغلقتها نهائياً وألقت الحجز على مطبعتها ووضعتها تحت الضابطة و لم يعترف الوالي كامل باشا بحكم القضاء ببراءتها بل استمر بإغلاقها.. و كل ما صدر من الصحيفة كان خمسة عشرعدداً..
ولم يستسلم الكواكبي، فأنشأ صحيفة أخرى صدرت باسم “الاعتدال” في ٢٥ تموز ١٨٧٩ وكانت بامتياز سعيد بن علي شريف وتُطبع بالعربية والتركية. وكتب الكواكبي في افتتاحية العدد الأول.. “على أن “الاعتدال” هي “الشهباء” من كل حيثية وقد أخذت على عاتقها نشر حسنات الإجراءات واعلان سيئات المأمورين وعرض احتياجات البلاد إلى مساعي أولي الأمر، ونشر كل ما يقتضيه تهذيب الأخلاق و توسيع دائرة المعارف من أبحاث علمية و سياسية وغيرها..” وبالفعل واصل الكواكبي النقد وتنبيه الأذهان والمطالبة بما كان يعتقده صواباً: خدمة الحق وإنصاف المظلومين. ولكن السلطات ضاقت ذرعاً بمن تميّز بحرية الضمير وحب الوطن، من ينبه الحكومة إلى مواضع الخلل بكتاباته المباشرة.. فعمد والي حلب الجديد جميل باشا الداهية الطاغية إلى تعطيلها ولمّا يصدر منها بعد إلاّ عشر أعداد.
٣-أعماله في الخدمة العامة وصموده المبدئي في وجه الجور
بعد ان سُدّت أمامه منافذ التنوير عبر الصحافة انعطف الكواكبي نحو الخدمة العامة. فتقلّب في العديد من المناصب الادارية والفخرية وجمع بينها، ولكن دونما انسجام مع العثمانيين اذ بقي متّبعاً على الدوام في كل مجالٍ عمل فيه نهجه الإصلاحي، لا يسكت عن الحق ولا يهادن الفساد. ففي عام ١٨٧٩ أصبح عضواً فخرياً في لجنتي “المعارف” و “المالية” في الولاية. وفي عام ١٨٨٠ أصبح عضواً في لجنة “الأشغال العامة” والتي أصبح رئيسها الفخري في العام التالي، كما تسلّم رئاسة قلم المحررين (مأمورية الإجراء) وعضوية “اللجنة المختصة بامتحان المحامين بحلب”. إذ كان قد عكف على دراسة القوانين دراسة معمّقة ونقديّة؛ ومديراً فخرياً للمطبعة الرسمية في حلب. ودخل بعدئذٍ ساحة القضاء عضواً بمحكمة التجارة في الولاية. وكان الكواكبي لا يتردد في الاستقالة من أي منصب عندما كانت تعوزه حرية الحركة أو القدرة على التأثير. فنراه في عام ١٨٨٦، وقد ضاق ذرعاً من المراقبة والتضييق المفروضين عليه، يستقيل من المناصب الرسمية وشبه الرسمية وذلك حتى عام ١٨٩٢. ليفتتح لنفسه مكتباً بالقرب من منزله في محلة الفرافرة بحلب ويتفرّغ لعمله كمحامٍ (وكيل الدعوى) يسطّر اللوائح الاعتراضية ويحرر عرائض المتظلّمين من الناس وشكاواهم على الموظفين والولاة العثمانيين ويتابع مسارها ولا يألو جهداً في مكافحة الفساد. وكان يحب صغار الناس. فسمّاه الحلبيّون “أبو الضعفاء” إذ كان يدافع عنهم أمام المحاكم ولم يكن متعصباً بل كان يعامل المسلمين والنصارى واليهود على قدم المساواة. فما لبث أن سجنه الوالي جميل باشا بتهمةٍ مختلقة ولكن الضجة الشعبية المطالبة بإطلاق سراحه وسراح من اعتقل معه من وجهاء حلب، ومنها الاعتصام النسائي أمام المؤسسة الرسمية، ولعله الأول في تاريخ البلاد، عجّل بإطلاق سراحهم، وبعزل الوالي. فمساندة الناس وتأييدهم لجهوده كان مما أعانه على مواصلة كفاحه..
في عام ١٨٩٢ أصبح رئيساً للغرفة التجارية وللمصرف الزراعي وبعدها بعامين رئيساً لكتّاب المحكمة الشرعية في الولاية وفي عام ١٨٩٦ رئيساً للجنة بيع الأراضي الأميرية. وكان قد تم تعيّينه في شباط ١٨٩٣ رئيساً لبلدية حلب في زمن الوالي عثمان باشا الذي كان مقدّراً لمواهبه. فقام بأعمال الإصلاح والإنشاء والتعمير والعناية بالطرق. وبما أنه كان يرى أن التخلّف سبباً رئيسياً في فقر الولاية أخذ بطرح المشروعات الاصلاحية-التنموية، وخاصةً المائية التي كان يفكّر بها، والتي تستهدف تطوير حلب. وكان أهمها: جر مياه نهر الساجور إلى حلب لإمدادها بماء عذب نظيف وجر مياهه أيضاً ليرفد نهر قويق، تجفيف مستنقعات الروج لمكافحة البعوض ودرء انتشار الأمراض وجر مياه عين البليعة لري سهول ادلب، مشروع إنشاء مرفأ السويدية ومد خط حديدي يربطها بمدينة حلب ومشروع الإنارة الكهربائية لحلب عن طريق شلال مائي يحدثه نهر العاصي في مضيق دركوش. كما كلّف بعض المهندسين باستثمار حمامات الشيخ عيسى بعد تجميلها وترميمها. واهتم بتنظيم زراعة وتجارة التبغ. إلا أنه عُزل من رئاسة البلدية ومشاريعه مبسوطة على منصات الدراسة في المجلس البلدي.
و في أواخر التسعينات اصطدم الكواكبي مجدداً بالوالي التركي عارف باشا الذي اشتهر باستبداده و حبه للرشوة والذي وجه إليه، عبر تزويره لوثائق، تهمة رئاسة جمعية سرية معادية للدولة وللإسلام، فضلاً عن الاتصال بدولة أجنبية.. وسُجن الكواكبي و حُكم عليه بالإعدام ولكن عندما أُعيدت محاكمته في بيروت، تمّت تبرئته بعد أن عانى عاماً من السجن ما بين حلب وبيروت..
بلغت حدة الصراع بين الكواكبي والطغيان العثماني ذروة عنفها. اذ استمر الوالي عثمان باشا وأبو الهدى الصيّادي شيخ الإسلام، أي شيخ مشايخ الدولة العثمانية في زمن الاستبداد الحميدي، يكيدان له الاضطهاد والأذى من مصادرة أمواله إلى إفشال تجارته وخسرانها واغتصاب مزروعاته وتخريبها وحتى ترتيب اعتداءات شخصية عليه. ولينجو بنفسه مما يحيق به من ظلم واستبداد ومما يحاك له من مكائد الطغاة عزم الكواكبي على الهجرة إلى مصر.
٤-الكواكبي في مصر: مقالات وفِكر وكتب
استقرّ المقام بالكواكبي في مصر في سنة ١٩٠٠، مغتنماً مناخ الحرية فيها في فترة حكم العباس الثاني (الذي حكم ما بين ١٨٩٢-١٩١٤) وقد اصبحت مصر في زمنه ملاذاً لأدباء ومفكرين هاجروا إليها من بلاد الشام. وقد كان الأدباء الشوام قد بدأوا بالهجرة إلى مصر اعتباراً من الستينات من القرن التاسع عشر، رغبةً في حرية التعبير في الجرائد المصريّة وقد أسسوا صحفاً ومجلات وأسهموا في ازدهار الحياة الثقافية في مصر. استُقبل الكواكبي في مصر استقبالاً حافلاً، وسرعان ما شارك في الحركة الفكرية وانضم عضواً عاملاً في جمعية الكتّاب. وفي مثل هذا الجو المنفتح كذلك على الثقافة الأوروبية أخذ الكواكبي يطوّر فكره ويضيف إليه الجديد. كان قد ألّف كتابيه طبائع الاستبداد وأم القرى في حلب وخرج بهما فأضاف إليهما ونقحهما وراجعهما عدة مرات قبل أن يقوم بطباعتهما في القاهرة. ولقد نشر الكواكبي في صحيفة “المؤيد” المصرية سلسلة بحوث ومقالات سياسية تحت عناوين الاستبداد ومباحثه: ما تأثيره على الدين، على العلم، على التربية، على الأخلاق، على الترقي، على المجد، على المال، وعلى العمران… وأضاف إلى ذلك طرائق التخلص من الاستبداد وبماذا ينبغي استبداله. وكانت كتاباته دروساً قيّمة يطالعها قرّاؤه بشوقٍ وشغف. ونشرها بعد التنقيح والمراجعة في كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” وأكمل العنوان: “وهي كلمات حق وصيحة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد”. ثم زاد في الكتاب وراجعه وضبطه وقال: “وجعلته هدية للناشئة العربية المباركة الأبية المعقودة آمال الأمة بيمن نواصيهم ولا غرو فلا شبابٌ إلا بالشباب”. ويُعد كتابه هذا زبدة تفكيره الإصلاحي. ويقول في مقدمته أنه قد وجد المفكرين في مصر، كما في سائر الشرق، يخوضون عباب البحث عن المسألة الكبرى، المسألة الاجتماعية في الشرق عموماً وفي المسلمين خصوصاً، وكلٌ يذهب مذهباً في سبب الانحطاط وفيما هو الدواء. ولكن القائل مثلاً أن أصل الداء التهاون في الدين أو اختلاف الآراء أو الجهل.. عندما يسأل نفسه لماذا؟ يجد نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها فيرجع إلى القول هذا ما يريده الله بخلقه، غير مكترث بمنازعة عقله و دينه له، فإن الله حكيم عادل رحيم.. أما الكواكبي فقد تمخّض عنده “إن أصل هذا الداء الاستبداد السياسي ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية”. ويقول أنه لا يقصد في مباحثه ظالماً بعينه ولا حكومة أو أمة مخصصة لذلك يبقى كتابه حياً مهما كرّت الأيام و تغيرت العصور. وبعين الوقت، ولحماية نفسه، فقد كان الكواكبي لا يريد هنا أن يسمي استبداد العثمانيين تحديداً و إن كان يقصدهم بوضوح في فصول كتابه.. و كان يريد أيضاً بكتابه التنبيه لمورد الداء الدفين.. “فالعتب على الأغيار لا على الأقدار و على الجهل و فقد الهمم والتواكل..”
كما قام الكواكبي خلال فترة إقامته في مصر برحلة شهيرة (او رحلات) حيث زار السودان وسواحل شرقي افريقيا ودخل الحبشة والجزيرة العربية وطوّف سواحل افريقيا الشمالية كما زار الهند وسواحل الشرق الأقصى. وكانت دراسته لهذه البلاد تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكل ما يهم المثقف الموسوعي مما شكل له ركيزة أساسية ليراجع وينقح كتابه “أم القرى” الذي ألفه في حلب وطبعه في القاهرة وليؤلف كتباً أخرى بعده. وقد تخيّل في هذا الكتاب أن مؤتمراً عُقد في مكة للتداول في أحوال المسلمين في بلادهم و أسباب تأخرهم و لكن وثائقاً عن الرحلة والتي سجّلها على اوراق فُقدت مع مخطوطين لكتابيه “العظمة لله” و “صحائف قريش” و مع جملة أوراقه و مذكراته ليلة وفاته.. وأخيراً لا بد لنا أن نذكر أن الكواكبي قام بإصدار صحيفة “العرب” في القاهرة والتي لم تلبث أن توقفت دون أن نعرف السبب.
توفي الكواكبي في القاهرة مساء الخميس ١٤ حزيران ١٩٠٢ متأثراً بسمٍ دُسّ له في فنجان القهوة في مقهى يلدز. وقد دُفن في مدفن باب الوزير على سفحِ جبل المقطم. ورثاه كبار رجال الفكر والشعر والأدب في مصر ونُقش على الصفحة المرمرية المحيطة بالضريح بيتان لشاعر النيل حافظ ابراهيم:
هنا رجلُ الدنيا هنا مهبطُ التُقى هنا خيرُ مظلومٍ هنا خيرُ كاتبِ
قِفوا واقرأوا “أم الكتاب” وسلّموا عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
الا أن المقبرة تعرّضت لتعدياتٍ عدة وخاصةً على مدار سنوات هذا القرن حتى تم ترميمها من قبل وزارة الثقافة المصرية وجهاز التنسيق الحضاري وبجهود ومساعي السيدة ضحى الكواكبي ابنة حفيده وقد تمّ تدشين الضريح المرمم في ٢٠ كانون الأول ٢٠١٦ وبحضور وزير الثقافة المصري الأستاذ حلمي النمنم.
يتبع…