رأي القدس
23 – أبريل – 2023
(في الصورة) السودان جنود مصريون في قبضة قوات الدعم السريع في مطار وقاعدة مروي
إحدى الوقائع التي ميّزت بدء المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في السودان كانت تحشيد قوات محمد حمدان دقلو لقواته قرب مطار مروي والحديث عن «تدخّل أجنبي». تبع ذلك استيلاء تلك القوات على المطار، بالترافق مع هجوم آخر على مطار الخرطوم، في مبادرة استباقية لتحييد عنصر التفوق الجوّي لقوات عبد الفتاح البرهان على «حميدتي» ونتيجة إحساس لدى الأخير، على ما يظهر، بتهديد عسكري مصري، كانت قد سبقته اجتماعات لسياسيين مؤيدين للجيش السوداني في القاهرة.
تبع ذلك عرض القوة التي استولت على مطار مروي شرائط فيديو تصوّر الجنود المصريين الذين تم إلقاء القبض عليهم هناك، وإحراق ثلاث طائرات مقاتلة مصرية، والهدف من ذلك كان واضحا: حثّ السودانيين على النظر إلى «الدعم السريع» كقوّة وطنية، واتهام الجيش بالاستعانة بقوات مصريّة ضد قوات سودانية، وهو أمر قادر على إثارة المشاعر وتجييش فئات من السودانيين ضد البرهان، الذي هو خريج الكلية الحربية المصرية.
كان المعتقلون جزءا من طواقم عديدة مصرية موجودة في المواقع العسكرية السودانية المختلفة، كما كُشف حينها، غير أن هدف وجود أولئك المعلن، وهو تدريب عناصر القوات المسلحة السودانية، لا يخفّف أثر دعاية «حميدتي» وخصوصا بعد أن تداولت أنباء عن مشاركة طيران مصري في قصف قوات «الدعم السريع» وهو ما يعني أن القاهرة لا تقف محايدة في الصراع الراهن.
رغم النفوذ الواسع للقاهرة على الأطراف السياسية السودانية، فإن هذا التموضع الذي بدا داعما للبرهان أدى إلى تدخّل أبو ظبي لدى حميدتي للإفراج عن الجنود المعتقلين، وإعلانها، بعد ذلك، نجاح وساطتها «لتأمين سلامة الجنود المصريين لدى قوات الدعم السريع وتسليمها للسفارة المصرية في الخرطوم» وتلى ذلك إعلان «الدعم السريع» تسليم 27 مصريا إلى الصليب الأحمر الدولي، وإجلاء 177 عسكريا مصريا على متن أربع طائرات.
تعتبر بعض التحليلات الغربية أن ما حصل كان محاولة مصرية لـ«إفشال التحوّل الديمقراطي» فبينما كانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول غربية وخليجية تدفع في اتجاه التوقيع على اتفاق لإعادة المدنيين إلى السلطة، استبق البرهان ذلك بجعل السيطرة على «الدعم السريع» أولوية على الاتفاق مع المدنيين، وهو ما أدى إلى النزاع الراهن.
تكشّف تدخّل إماراتي مقابل للتدخل المصري، عبر الأنباء التي راجت عن قيام الجنرال الليبي خليفة حفتر بإرسال إمدادات عسكرية لحميدتي. قوات حفتر أعلنت طبعا أنها لم تقدم تلك الإمدادات، مخافة من ارتدادات سيئة على علاقتها بالجار المصريّ، الذي هو مركز الإمدادات لحفتر، وأحد داعميه الكبار، ولكن الأثر الإماراتي في هذا الموضوع كان واضحا.
هناك أسباب عديدة للعلاقات الوطيدة بين أبو ظبي وحميدتي، ومنها الاستثمارات الإماراتية في الذهب، الذي يسيطر دقلو على إنتاجه في المناجم التي يملكها، والذي تذهب كمياته إلى الإمارات، التي تعتبر أكبر مشتر للذهب السوداني، وهذا يفسّر قدرة أبو ظبي على التسريع في إطلاق الجنود المصريين، وهناك أيضا التعاون المشترك مع قوات «فاغنر» التي تدعم قوات حميدتي في السودان، وتدعم قوات حفتر في ليبيا.
رغم حرص القاهرة وأبو ظبي على إظهار التوافق على الرغبة في «التهدئة» في السودان، فإن البيان المشترك الأخير الذي صدر عن الطرفين عبّر، بطريقة مقصودة، عن اختلاف، فقد تطابق البيانان الصادران عن الحكومتين لكن القاهرة تعمّدت طمس كلمة «وساطة» التي استخدمتها أبو ظبي، وهو أمر على طفافته الظاهرية، يقول إن السلطات المصرية تشعر بالإحراج من اضطرارها طلب التدخّل من الإمارات لإطلاق جنودها الأسرى.
تدل الوقائع الآنفة على وجود انحيازات مختلفة لكل من الطرفين، وهي انحيازات قد تكون قابلة للطيّ، إذا نجح أحد الخصمين في القضاء على الآخر، ولكن عمليات الإجلاء الدولية الجارية على قدم وساق، تشير، على الأغلب، أن الأمور ستسوء، وربما ستطول، وهو أمر ليس في مصلحة السودانيين، ولا يبدو على أولويات الطرفين!