أحمد مظهر سعدو
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
مايو 9, 2023
بالرغم من تحرك كثير من المثقفين والكتاب والفنانين اللبنانيين لإعلان براءتهم من حملات العنصرية المسعورة، التي تقوم بها فئات وهيئات كثيرة محسوبة على بعض القوى السياسية في لبنان، حيث تستهدف اللاجئ السوري في الجغرافيا اللبنانية، ضمن سياقات مدروسة ومحددة لطرد اللاجئين السوريين وتسليمهم للنظام السوري. بالرغم من كل ذلك فما تزال هذه الحملات التي تضج بالكراهية والعنصرية وتؤسس لمستقبلات لبنانية قد لا تكون من صالح حالة الأخوة والجوار التاريخي بين سورية ولبنان. هذه الحملات تعيث فسادًا وإفسادًا وتخدم أجندات من جوانية الاشتغال الطغياني الفاشيستي، والتي عمل عليها نظام الأسد منذ ما يزيد على عشر سنوات خلت، ولعل ازدياد هذه الحملات وتوسعها وتوقيتها في هذه اللحظة الزمنية، وهذه الحالة الدراماتيكية في كل من لبنان وسوريا، فهي تعبر عن توجهات واشتغالات، لا شك أنها تؤسس لمرحلة صعبة في العلاقة بين الطرفين. علمًا أن هناك وعياً بدأ يتشكل لدى الآلاف من الناس في لبنان، استيقاظًا من تلك الغفوة واحتجاجا على قضية رمي مشكلة انهيارات اقتصادية، بل مشكلات لبنان الاقتصادية المتعفنة والتي علاها الصدأ، في أتون حيوات وحيثيات اللاجئ السوري.
المشكلة الكبرى الإفسادية في لبنان لا يتحمل مسؤولياتها اللاجئ السوري الفار من جحيم المقتلة الأسدية، وكذلك من الموت المحقق في معتقلات العسف الاستبدادي الطغياني، وهذه المشكلات التي وصل إليها الواقع في لبنان، كان -وما يزال- لابد من أن يسأل عنها وجود الميليشيا الإرهابية لحزب الله، وتغول هذه الميليشيا على كل مقدرات الوطن اللبناني الذي بات يعمل كأداة تابعة لصالح دولة الملالي في إيران، حيث تعمل وفق خطط المشروع الفارسي الطائفي، ولصالح أجندات ليس لها علاقة بالواقع اللبناني، ولا تخدمه، كما أنها لم تخدم ولن تخدم واقع السوريين أيضًا، علاوة على أنها في تكوينها وبنيتها لها كل المصلحة في خراب البنية الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، في المنطقة برمتها، لتكون هي وفقط هي، المنقذ من ذاك الجحيم الافتراضي، ولتلعب ذاك الدور الوظيفي المنوط بها.
النظام السوري الذي لا يريد عودة اللاجئين السوريين لأنهم حاضنة الثورة السورية، وهم من خرجوا في معارضته ومواجهته، ذودًا عن الكرامة والحرية المفتقدتين منذ عشرات السنين، هذا النظام ما برح يعمل ليكون تابعًا لدولة الملالي في إيران، وخادمًا مطيعًا لتوجهاتها وأجنداتها، وهو لا يريد بالتأكيد عودة مئات آلاف السوريين بعد أن تم نهب الثروات، من قبل شبيحته، كما تم تدمير الوطن السوري، وأصبحت سوريا على يديه دولة فاشلة، بكل معنى الكلمة، من هنا كان لا مصلحة ولا مصداقية أبدًا في أية دعوة من قبل النظام لعودة اللاجئ السوري، بل هو أي النظام يرتاح كثيرا لانسلاخ وقبع ملايين السوريين، وهم هائمون على وجوههم، في بلاد الله الواسعة، يبحثون عن ملاذ آمن لا قتل فيه ولا اعتقال، وتتحقق ضمنه كل أنواع الأمن التي يريدها، من أمن على الأرواح، وأمن غذائي، وأمن معرفي، وحيوات صحية سعيدة.
لاشك في أن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان وسواها سوف يتلقون المزيد من الممارسات العنصرية، والكثير من الضيم والإجبار على تسليمهم لمن يلاحقهم ويزجهم في غياهب السجون والمعتقلات.
وأعود للقول: واهم من يظن من العرب أنه بعد قرار وزراء خارجية الدول العربية بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، سوف يعطي دفعًا إيجابيًا للاجئين السوريين، للعودة إلى وطنهم المطرودين منه، وواهم من يعتقد أن هذه الهرولة العربية المتتابعة زرافات ووحداناً سوف تقنع النظام السوري المرتمي في أحضان إيران وروسيا، سوف تنجز أي خطوة جدية على طريق الحل السياسي، فنظام الأسد يدرك يوما بعد يوم أن الحديث من قبل بعض النظام العربي الرسمي دائمًا عن عودة أكيدة (للمهجَّرين السوريين قسرا) نحو بلدهم، وهو ما يزال يوقن أنه انتصر عسكريًا ومن ثم فهو وحلف الممانعة معه قد وصل إلى حيث لا رجعة فيها أبدًا، وأن التفاهم السعودي الإيراني الذي ساهم وأنضج هرولة النظم العربية إلى دمشق ،عبر المساعدات الإنسانية تارة، وعبر السياسة من بابها العريض تارة أخرى، وسط صمت أميركي مطبق، بل وضوء أخضر (خافت) من قبل الكثير من مفاصل إدارة بايدن، رغم وجود قانون قيصر، وأيضا قانون الكبتاغون، الذي يفترض أن يتم البدء بتنفيذه اعتبارًا من شهر حزيران المقبل.
لاشك أن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان وسواها سوف يتلقون المزيد من الممارسات العنصرية، والكثير من الضيم والإجبار على تسليمهم لمن يلاحقهم ويزجهم في غياهب السجون والمعتقلات، وأن إدراك حزب الله ومن معه ومن يتحالف وإياه في لبنان بأن لا أحد يستطيع لجم العنصرية التي يمارسونها هم وحلفاؤهم ضد اللاجئ السوري، وأن إيران عبر تفاهماتها مع السعودية وجل العرب، وكذلك النظام السوري المجرم النتشي اليوم أكثر من أي وقت مضى، سوف لن يوفر جهدًا في ممارسة صلفه وعنجهيته واستمرار مقتلته ضد السوريين في كل مكان، بدلالة أنه وخلال الإعلان العربي عن قبول عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، كان نظام العسف الأسدي يقصف ريف اللاذقية، الخارج عن سيطرته، وهو في ذلك إنما يرسل رسالة واضحة وساطعة في أنه لن يتراجع أبدًا عن الحل العسكري والأمني المُتبع من قبله منذ 12 عامًا، وأن عودته إلى العرب في جامعتهم الموقرة، لن تغير من الأمر شيئًا.
العنصرية والظلم الممارس ضد السوريين في لبنان يزداد اضطرادًا، ولا بوادر رسمية من النظام السوري ولا من حلفائه في لبنان، لاستيعاب اللاجئين، أو إكرامهم بعودة آمنة إلى أوطانهم، وهذه حقيقة أضحت من الوضوح بمكان بحيث يدركها كل ذي بصيرة وروية.
وسوف يبقى إعلان الكتاب والفنانين اللبنانيين الأحرار أيقونة جميلة في التاريخ الحديث للشعب اللبناني، عندما قالوا: “إنّنا نعلن براءتنا من هذه الحملة التي تُشنّ باسم لبنان ومصالح اللبنانيّين، ونرى أنّها تستهدفنا كما تستهدف النازحين السوريّين، إسكاتاً لأصواتنا وقمعاً لحرّيّاتنا”. “لكنّنا إذ نصرّ على حلول عقلانيّة هادئة، بعيدة عن الشيطنة شعبويّةً كانت أم عنصريّة، ندرك أيضاً أنّ استثنائيّة أوضاعنا هي من استثنائيّة التوحّش الذي ابتُلي به السوريّون، كما ابتُلي اللبنانيّون.” ثم قالوا: “المأساة الراهنة إنّما تسبّبت بها أفعال النظام السوريّ الدمويّة، والدور الاحتلاليّ والتهجيريّ الذي أدّاه حزب لبنانيّ ممثَّل بقوّة في السلطة. والمهمّة الكبرى المطروحة علينا جميعاً مدارها عودة النازحين إلى بلادهم شريطة أن تكون عودة طوعيّة وآمنة فعلاً، مضمونة من القوى الخارجيّة والدوليّة المؤثّرة ومنسّقة معها.”