من كتابة وكالات – أبوظبي
الجمعة 17 / 05 / 2024
غالانت (يمين) يعارض الحكم العسكري لإدارة قطاع غزة © AFP
ظهرت الانقسامات في الحكومة الإسرائيلية حول الحرب في غزة هذا الأسبوع بعد أن طالب وزير الدفاع يوآف غالانت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنا باستراتيجية واضحة مع عودة قوات الجيش لمحاربة مسلحي حركة حماس في مناطق كان يعتقد أنه تم إخراجهم منها منذ شهور.
وتعكس تعليقات غالانت، الذي قال إنه لن يوافق على تشكيل حكومة عسكرية تدير القطاع، القلق المتزايد في المؤسسة الأمنية من عدم وجود رؤية لدى نتنياهو حول من سيدير غزة بعد الحرب.
وأبرزت تعليقاته كذلك الانقسام الحاد بين الجنرالين السابقين بالجيش وعضوي الحكومة الحالية المنتميين إلى تيار الوسط، بيني غانتس وغادي أيزنكوت، اللذين أيدا دعوة غالانت، وبين الأحزاب الدينية القومية اليمينية المتشددة بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير التي أدانت التعليقات.
وكتبت صحيفة يسرائيل هيوم اليمينية عنوان افتتاحية عددها الصادر الخميس “هذه ليست طريقة لإدارة الحرب” مرفقة بصورة لنتنياهو وغالانت ينظران في اتجاهين مختلفين.
وباستثناء تفكيك حركة حماس وإعادة نحو 130 رهينة لا يزالون محتجزين لدى الحركة، لم يحدد نتنياهو أي هدف استراتيجي واضح لإنهاء الحملة العسكرية التي أسفرت عن مقتل نحو 35 ألف فلسطيني وتسببت في عزلة دولية متزايدة لإسرائيل.
* إدارة مدنية
ورفض نتنياهو، بدعم من بن غفير وسموتريتش، وكلاهما قريب من حركة الاستيطان في الضفة الغربية، أي مشاركة للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة بعد الحرب.
ويتمسك نتنياهو، الذي يكافح من أجل الحفاظ على تلاحم ائتلافه المنقسم بشكل متزايد، حتى الآن بتعهده بتحقيق النصر الكامل على حركة حماس.
وذكر في مقابلة مع قناة سي.إن.بي.ٍسي الأربعاء أن قطاع غزة يمكن إدارته بعد ذلك بواسطة “إدارة مدنية غير تابعة لحماس مع مسؤولية عسكرية إسرائيلية، مسؤولية عسكرية شاملة”.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن من المحتمل الاستعانة بزعماء عشائر فلسطينية أو شخصيات أخرى من المجتمع المدني لملء الفراغ، ولكن لا يوجد ما يدل على تحديد أي زعماء، قادرين أو راغبين في أن يحلوا محل حركة حماس، كما لم تعرض أي دولة عربية صديقة المساعدة.
وقال يوسي ميكيلبيرج الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس “الخيارات بالنسبة لإسرائيل هي إما أن ينهوا الحرب وينسحبوا، أو أن يقيموا حكومة عسكرية لإدارة كل شيء هناك، وأن يسيطروا على المنطقة بأكملها لفترة من الوقت لا أحد يعرف نهايتها، لأنه بمجرد أن يغادروا منطقة ما، ستظهر حماس مجددا”.
* حرب عصابات
يعكس رفض غالانت التفكير في أي شكل من أشكال الحكم العسكري الدائم التكاليف المادية والسياسية لعملية من شأنها إنهاك الجيش والاقتصاد بشدة، ما يحيي في الأذهان ذكرى الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بعد حرب 1982.
وقال ميخائيل ميلشطاين ضابط المخابرات السابق وأحد أبرز الخبراء في شأن حماس في إسرائيل إن السيطرة الكاملة على غزة ستتطلب على الأرجح أربع كتائب أو نحو 50 ألف جندي.
ومع إعلان إسرائيل مقتل الآلاف من مقاتلي حماس في الحملة وقول قادة إسرائيليين إن أغلب الكتائب المنظمة في الحركة تفككت، ظهرت مجموعات أصغر حجما في مناطق غادرها الجيش في مراحل مبكرة من الحرب.
وقال ميشلطاين “إنها منظمة مرنة للغاية ويمكنها التأقلم بسرعة كبيرة… لقد تأقلموا مع أنماط جديدة من حرب العصابات”.
وظهرت التكلفة المرجحة لطول أمد الصراع الأربعاء حينما قتلت دبابة إسرائيلية خمسة جنود إسرائيليين في حادث “نيران صديقة”، وذلك في أثناء خوض القوات معارك ضارية في منطقة جباليا شمالي مدينة غزة.
وقال الأميرال دانيال هاجاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن مهمة الجيش هي “تفكيك هذه الأماكن التي تعود إليها حماس وتحاول إعادة تنظيم نفسها”، لكنه ذكر أن أي سؤال عن حكومة بديلة لحماس سيكون مسألة تخص المستوى السياسي.
وعلى الرغم من إظهار أغلب المسوح أن الإسرائيليين يدعمون الحرب على نطاق واسع، فإن الدعم يتضاءل إذ يمنح مزيد من الأشخاص الأولوية إلى إعادة الرهائن بدلا من القضاء على حماس. وإذا استمرت هذه الحوادث، فقد تقوض الدعم بشكل أكبر.
وهناك بعض الانقسامات الاجتماعية الأوسع المرجح أن تنفجر والتي لوحظت على صعيد الخلاف طويل الأمد المتعلق بتجنيد طلاب المعاهد الدينية المتزمتين في الجيش، وهو تحرك يدعمه جانتس وحلفاؤه بالإضافة إلى كثير من العلمانيين الإسرائيليين، لكن الأحزاب الدينية تعارضه بشدة.
واستطاع نتنياهو حتى الآن تفادي انسحاب أي من الطرفين، وهو أمر من شأنه أن يؤدي لانهيار الحكومة.
لكن غالانت يدخل في صدامات بشكل متكرر مع سموتريتش وبن جفير وتحديه الأحدث لرئيس الوزراء قد لا يكون الأخير. وقاد غالانت بالفعل ثورة على نتنياهو من داخل الحكومة بشأن خطط لسحب سلطات من القضاة العام الماضي.
بداية نقاش في الكيان بشأن مستقبل غزة
مقال رأي لديفيد إغناشيوس في صحيفة واشنطن بوست
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في مؤتمر صحفي صريح هذا الأسبوع، إن الوقت قد حان لكي تبدأ إسرائيل في بناء قوة أمنية فلسطينية في غزة يمكنها توفير الاستقرار هناك بعد انهيار القوة السياسية لحماس.
جالانت قال لي: “الفكرة بسيطة.. لن نسمح لحماس بالسيطرة على غزة. ولا نريد لإسرائيل أن تسيطر عليها أيضاً. فماهو الحل؟ الجهات الفاعلة الفلسطينية المحلية المدعومة من الجهات الفاعلة الدولية”.
تمثل تعليقات غالانت الصريحة تحولاً في نقاش الحكومة الإسرائيلية بشأن قضايا الحكم والأمن في غزة، والمعروف بالعبارة المختصرة “اليوم التالي”، وتتقاسم المؤسسة الدفاعية والأمنية وجهات نظره على نطاق واسع، لكن يعارضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني.
وقد عرض وزير الدفاع هذه الحجج على الجمهور الإسرائيلي في خطاب ألقاه يوم الأربعاء، بعد إحاطتنا الإعلامية يوم الثلاثاء.
هذه الحملة العامة المفتوحة من أجل اتباع نهج جديد في غزة ما بعد الحرب، والتي تشمل قوات الأمن الفلسطينية، يمكن أن تؤدي إلى انقسام حزب الليكود، الذي ينتمي إليه غالانت ونتنياهو، وتزيد من الحديث المتزايد في إسرائيل والولايات المتحدة عن أن غالانت يمكن أن يكون رئيس الوزراء المستقبلي.
وقال غالانت في كلمته: “أدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ قرار” ودعم “حكومة بديلة لحماس في قطاع غزة” وقال إن “التردد هو في جوهره قرار، وهذا يؤدي إلى مسار خطير”.
ويتوافق نهج غالانت مع نهج إدارة بايدن، التي تحث نتنياهو منذ أشهر على البدء في بناء قوات فلسطينية يمكنها في نهاية المطاف تولي المسؤولية الأمنية في غزة.
وأوضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وجهة نظر الإدارة في اجتماع مع الصحفيين يوم الاثنين قائلا ان “أي عملية عسكرية… يجب أن تكون مرتبطة بنهاية استراتيجية تجيب على السؤال: ماذا سيأتي بعد؟” واضاف “نريد نتيجة تقلب فيها الصفحة”.
ويقول مسؤولو إدارة بايدن إن غالانت لعب دورًا أكبر في الحوار الأمريكي الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، مع توتر العلاقات بين نتنياهو والرئيس بايدن ووصف أحد المسؤولين الأميركيين غالانت بأنه “شخص لا غنى عنه” في حل المشاكل في الجدل المتوتر بشكل متزايد حول كيفية إنهاء الحرب في غزة.
ورغم أن الجزء الأكثر وضوحاً من النزاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان حول احتمال غزو رفح، فإن القضية الأكبر هي كيفية إنهاء العمليات العسكرية وتحقيق الاستقرار في غزة.
ويقول مسؤولو الإدارة إن الهجوم الشامل على رفح الآن، دون وجود خطط قوية لتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين، من شأنه أن يسبب لإسرائيل من المشاكل أكثر مما قد يحلها.
ورد نتنياهو بأن إسرائيل تستطيع إنهاء الحرب بسرعة من خلال تدمير كتائب حماس الأربع المتبقية في المدينة، ولم يتحدث غالانت عن مسألة رفح بأية تفاصيل لكنه قال إنه كان يستكشف مع مسؤولي إدارة بايدن كيفية إجراء أي عملية هناك بطريقة لا تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
وللتأكيد على معارضته للهجوم العنيف على رفح، أوقف البنتاغون هذا الشهر شحنة من القنابل تزن 2000 رطل كانت محملة على سفينة لتسليمها إلى إسرائيل، ويقول الإسرائيليون إن حكومتهم لم تكن على علم مسبقاً، كما قام مصدر إسرائيلي بتسريب بعض التفاصيل لوسائل الإعلام هناك.
وتسارعت وتيرة الأزمة مع تصريحات علنية حادة من بايدن ونتنياهو، ويبدو أن كلا الجانبين يعملان الآن على إصلاح العلاقات.
جاءت تعليقات غالانت لي حول الحكم المستقبلي في غزة في أعقاب سلسلة من التصريحات المماثلة التي أدلى بها في إسرائيل وأخبرني أنه حذر مجلس الوزراء في 26 أكتوبر/تشرين الأول، بينما كانت إسرائيل تشن غزوها البري لغزة، قائلاً: “علينا أن نتأكد من أن لدينا بديلاً لحماس، وعلينا أن نفعل ذلك خطوة بخطوة”. وقال إنه وسع حجة “اليوم التالي” في ديسمبر/كانون الأول، عندما نصح مجلس الوزراء قائلاً: “عليك التأكد من أن لديك مبادرة إيجابية وخلاقة وتبني شيئاً من شأنه أن يخلق الأمن”.
وأصدر غالانت خطة عامة حددت نقطته المركزية في كانون الثاني (يناير): “سكان غزة هم فلسطينيون، وبالتالي ستتولى الهيئات الفلسطينية المسؤولية، بشرط ألا تكون هناك أعمال عدائية أو تهديدات ضد إسرائيل”، واقترح تشكيل قوة عمل متعددة الجنسيات للمساعدة في تحقيق الاستقرار في غزة، تضم شركاء أمريكيين وأوروبيين وعربًا، على أن تلعب مصر دورًا خاصًا باعتبارها “لاعبًا رئيسيًا”.
ولم يقل غالانت ذلك، لكن مسؤولي الدفاع يدركون أن أي قوة أمنية جديدة في غزة سيكون لها بعض الروابط مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وكما قال أحد كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيلي: “في غزة، لون العلم هو إما حماس أو السلطة الفلسطينية. ليس هناك خيار اخر. سيتعين علينا بناء قوات محلية، لكنهم سيتطلعون إلى رام الله”.
إن الإسرائيليين الذين يتبنون وجهة النظر العملية هذه يشتركون مع الولايات المتحدة في المطالبة بسلطة فلسطينية “متجددة” تكون أقل فساداً وأكثر كفاءة.
وقال لي مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن جهاز الشين بيت، وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلي، يقوم بالفعل بتقييم المجندين المحتملين لقوة أمنية في غزة من بين أكثر من ثمانية الاف شخص هناك مرتبطين بالسلطة الفلسطينية وأوضح أحد المسؤولين أنه من خلال مراجعة الأسماء، يتساءل الإسرائيليون “كم عدد الذين ينتمون إلى حماس، أو كبار السن، أو الموتى؟”.
وقال جالانت عن اقتراحه الاعتماد على الفلسطينيين لتحقيق الأمن الأساسي بعد الحرب: “هذا ليس الحل الأمثل. لقد كنت أحارب [الإرهاب] الفلسطيني منذ عام 1976. وأعرف المخاطر” وأضاف أن الخيار الآخر هو سيطرة إسرائيل أو حماس على غزة، وكلاهما غير مقبول.
خلاصة القول هي أن “أي عمل عسكري يجب أن ينتهي بحل سياسي”، كما أخبرني غالانت.
ما استخلصته من المحادثة هو أن نقاشًا جديدًا مهمًا قد بدأ في إسرائيل – ومع شريكتها الولايات المتحدة – ليس فقط حول إنهاء الحرب في غزة ولكن إنشاء حكم فلسطيني مستقر هناك بعد انتهائها.