حركة أطياف من أجل سوريا
بيان حول الخطاب الطّائفي في سوريا
بدايةً، نتقدّم بأحرّ التّعازي والتّرحم على أرواح المدنيّين وعناصر الأمن العام الذين سقطوا ويسقطون خلال مشاهد العنف الأخيرة في سياق الفوضى والتّوتّرات والعنف الطّائفي المتأجج في البلاد، والاضطّرابات الأمنيّة المتصاعدة باستمرار.
إنّ الخطاب الطّائفي في سوريا يساهم بشكل مباشر في تمزيق النّسيج الوطني ويغذّي الانقسام بين مكوّنات الشّعب السّوريّ. فقد شهدت البلاد في الآونة الأخيرة أحداثاً خطيرة، بدأت شرارتها من تسجيلٍ صوتي يتضمّن شتيمةً لرسول المسلمين محمد عليه السّلام، تمّ تناقله وتضخيمه حسب رصدنا للأحداث عبر حملاتٍ تحريضيّةٍ لم تستثن طائفةً أو مذهباً، وتتبع معظمها أجنداتٍ مجهولة، وهي في غالبها ذات الجهات، والقنوات الإعلاميّة التي عملت على تفجير أحداث السّاحل.
وإذ ندين مثل هذه التّصرّفات ـ سواء أكانت حقيقيّةً أو مفبركةً، فرديّةً أم جمعيّةـ من جهاتٍ تهدف إلى إثارة الفتنة بين السّورييّن، فإنّنا نستنكر وندين بشدّةٍ ما تلاها من ردود أفعالٍ خطيرةٍ، شملت مظاهراتٍ رُفِعت خلالها شعاراتٌ طائفيّةٌ دعت في بعض الأحيان إلى إبادة فئةٍ من الشَّعب، فزادت من النّعرات والانقسامات بين أبناء الوطن.
إنّ هذه الشّعارات لا تعبّر عن وعي وطنيٍّ جامع، بل تدفع بالمجتمع نحو مزيدٍ من التَّشظِّي والاصطفاف الطّائفي. وقد انعكست هذه التّوترات على مؤسّساتنا التّعليميّة، لا سيّما الجّامعات التي يجب أن تبقى فضاءً للحوار والتّفكير الحرّ لا ساحةً للصّراعات الطّائفيّة، وتصفية الحسابات السّياسيّة.
ومن جهةٍ أخرى، يثير تفشّي السّلاح المنفلت وتمكّن بعض الأفراد من التّنقل بين المدن لإقامة تعزيزاتٍ عسكريّة طائفيّة، مخاوف جدّيةٍ من اندلاع مواجهاتٍ مسلّحةٍ تمتدُّ على مساحة الأرض السّوريّة. وهنا نهيب بالدّولة تحمُّل مسؤوليّاتها في ضبط السّلاح المنتشر دون تمييزٍ ما بين منطقةٍ وأخرى، أو جماعةٍ وأخرى، فالمحاسبة على أي تجاوزات أو انتهاكات، وتحقيق العدالة، يجب أن تكون ضمن صلاحيّات االدّولة عبر أجهزتها الأمنيّة (الشُّرطِيّة) والقضائيّة حصراً. لا من مسؤوليّة المجتمع أو الجماعات.
إنّ تصاعد الخطاب الطّائفي والاقتتال الدّاخلي يعيق بشدّة إمكانيّة تشكيل مركزيّةٍ سياسيّةٍ موحّدةٍ قادرةٍ على اتخاذ القرارات المصيريّة، سواء في السّياسة الخارجيّة أو تمكين الدولة وتحقيق العدالة وإعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعيّة. وبناء الثّقة بين الحكومة الانتقاليّة والشّعب السّوري يعدّ الأساس لضمان السّلم الأهلي والمستقبل المشترك.
كما نرفض رفضاً قاطعاً العقوبات الجماعيّة التي تُفرض على مناطق أو جماعاتٍ طائفيّةٍ أو عشائريّةٍ بناءً على أخطاء فرديّة أو أحداثٍ مفبركةٍ تهدف إلى إشعال الفتنة وتقويض الاستقرار. ونؤكّد ضرورة تفعيل منظومة العدالة الانتقاليّة، بما يشمل المحاكم المستقلّة، كوسيلةٍ ناجعةٍ لامتصاص التّوترات ومنع تحوّل المشكلات الفرديّة إلى أزماتٍ جماعيّة.
وعليه؛ يجب تسليط الضّوء على خطر الفصائل غير المنضبطة ومحاسبتها ضمن الأطر القانونيّة والمؤسّسيّة، فضلاً عن تعزيز الآليّات الأمنيّة لمواجهة انتشار السّلاح العشوائيّ وبيع زيّ الأجهزة الأمنيّة في الأسواق.
كما نطالب بعدم إتاحة الفرصة للطّائفييّن لتبرير القتل على أساس الهويّة أو المذهب، فمثل هذه التّبريرات تشكّل خطراً كبيراً على التّماسك الاجتماعي والسّلم الأهلي، وتتطلب سنّ قانونٍ صارمٍ وحازمٍ، يضمن احترام المعتقدات والمذاهب والحرياّت الشّخصيّة في الاعتقاد والممارسة، ويُعاقب بشدةٍ أي خرقٍ له.
إنّ بناء الدّولة السّوريّة الجديدة يجب أن ينطلق من المصلحة العامّة لكافّة السّورييّن باختلاف طوائفهم وأعراقهم، وأن يستند إلى مبادئ المواطنة الجامعة لا إلى الأسس الدّينيّة أو المذهبيّة.
ندعو جميع السّوريات والسّورييّن إلى تبنّي خطابٍ وطنيٍّ جامعٍ ونبذ الخطابات الطّائفيّة التي تهدّد مستقبل سوريا، ونرى أنّ من أولى مسؤوليّات الحكومة المؤقّتة ضبط الأمن والسّيطرة على الجماعات المنفلتة وتهيئة الأمان للمواطنين.
