العربي الجديد
رام الله – مالك نبيل
28 يناير 2025
مخطط تهويد الضفة يتواصل، 13 نوفمبر 2024 (مأمون وزوز/الأناضول)
تنفذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات متتالية تهدف إلى تهجير سكّان قرية النعمان شرق بيت لحم، وقد بدأ بعضها في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عبر منع البناء أو التوسع العمراني، امتداداً إلى عزل القرية عن محيطها، وضمّها خلف جدار الفصل العنصري، ثمّ فرض غرامات مالية على أصحاب منازلها تحت بند “ضريبة الأملاك” المعروفة لدى حكومة الاحتلال بـ”الأرنونا”، وانتهاءً بإصدار إخطارات هدم لجميع منازلها، وعددها 45 منزلاً.
واقتحمت شرطة الاحتلال برفقة عناصر من بلدية الاحتلال في القدس، قرية النعمان، يوم الأحد الماضي، وألصقت إخطارات هدم على جميع المنازل، علماً أنها منازل مأهولة. وحسب معهد الأبحاث التطبيقية “أريج” فإن اسم القرية منسوب للرحالة نعمان بن بشر الذي أقام فيها، وأنشئت في عام 1900، وأصل سكّانها من عرب التعامرة.
يقول رئيس مجلس قروي النعمان، جمال الدرعاوي، لـ”العربي الجديد”: “تتعامل سلطات الاحتلال مع البلدة منذ سنوات على أنها جزء من بلدية القدس المحتلة، مستغلةً موقعها خلف جدار الفصل العنصري، وفي عام 1994، أصدر الاحتلال قراراً بمنع البناء في القرية بحجة أنها تقع ضمن الحدود الجغرافية لبلدية القدس، ومنذ ذلك الحين، أصبح من يرغب في بناء منزل جديد لتكوين أسرة يضطر للخروج من القرية، ومع مرور الوقت، تقلص عدد السكان من 350 نسمة إلى 150 فقط، موزعين على 45 منزلاً”.
الدخول إلى قرية النعمان مقتصر على السكان المسجَّلين في كشوف خاصة
يضيف الدرعاوي: “تفرض سلطات الاحتلال على السكان إجراءات صارمة في الدخول والخروج، فالدخول إلى القرية مقتصر على السكان المسجَّلين في كشوف خاصة عبر حاجز الاحتلال (مزموريا)، ويمنع دخول الضيوف والزوار. هذا الواقع مستمر منذ عام 2002، حين فصل الاحتلال قرية النعمان عن القرى المجاورة، مثل دار صلاح وبيت ساحور، من خلال جدار الفصل العنصري”.
لم تدفع القيود الإسرائيلية كثيراً من سكّان القرية إلى مغادرتها، لكن قبل عام ونصف العام بدأوا يتعرّضون إلى ضغوط جديدة عبر ضريبة “الأملاك”، والتي تفرضها بلدية الاحتلال في القدس على أصحاب المباني والأراضي، وتُدفع الرسوم مرة واحدة في السنة.
ويؤكد رئيس المجلس القروي أنّهم رفضوا الدفع في عام 2019، كونهم لا يتلقّون أي خدمات من بلدية الاحتلال في القدس، بل من المؤسسات الفلسطينية في محافظة بيت لحم. ورغم ذلك، أصدرت محاكم إسرائيلية في عام 2023 قراراً يجبرهم على دفع الضريبة تحت التهديد بمصادرة ممتلكاتهم، فاضطر سكان القرية إلى دفع مبالغ تتراوح بين 10 إلى 15 ألف دولار عن كل منزل.
يقول الدرعاوي: “أصبحنا مجبرين على دفع الضريبة. كأننا نشتري منازلنا بأموالنا. جميع منازل القرية قديمة، وبُنيت بين عامي 1948 و1990، أي قبل قوانين الاحتلال الإسرائيلي، ورغم أن الأهالي يمتلكون أوراقاً ملكية رسمية، إلا أن بلدية الاحتلال تدعي أن المنازل غير مرخصة، وعند تقديم طلبات ترخيص، تردّ بلدية الاحتلال بأن الأرض مصنّفة ضمن المناطق الزراعية غير المنظمة، ما يعني رفض طلبات الترخيص تلقائياً، رغم أن كلفة تقديمها تكون بمئات آلاف الدولارات، في خطوة إضافية لاستنزاف السكان مالياً ودفعهم إلى التهجير القسري”.
يتابع: “كلّ الضغوط الإسرائيلية لن تدفع الأهالي إلى مغادرة منازلهم، كونهم يفضلون الموت تحت أنقاض بيوتهم على الرحيل، ومن المقرر أن يتوجه محامٍ موكّل بالقضية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف هذه القرارات المجحفة بحقّ القرية. حتى اللحظة، لم تتواصل أي جهة رسمية فلسطينية معنا لدعم أهالي القرية في هذه الأزمة، ما يجعلهم يعتمدون على أنفسهم في الدفاع عن بيوتهم وأرضهم في وجه هذه السياسات التهويدية”.
بدوره، يرى مدير الإعلام في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، يونس عرار، أن الهدف الأساسي من السياسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال في قرية النعمان هو تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مستغلة الظروف السياسية الراهنة لفرض المخططات الاستيطانية تحت غطاء الحكم العسكري.
ويوضح عرار لـ”العربي الجديد” أن “قرية النعمان الواقعة على حدود القدس، تواجه خطر التهجير القسري ضمن مخطط استيطاني واسع يُعرف بـ’القدس الكبرى’ ويستغل الاحتلال الواقع السياسي الدولي لتمرير سياساته الاستيطانية، في ظل غياب الضغوط الدولية الكافية، والدعم الأميركي غير المحدود، إلى جانب الصمت العربي المتواصل. الاحتلال يتعامل مع قرية النعمان على أنها أرض بلا شعب، متجاهلاً وجود سكانها الفلسطينيين الذين يواجهون تهديدات مستمرة. صغر مساحة القرية، وقربها من المستوطنات الإسرائيلية يجعلها هدفاً، ويسعى الاحتلال لاستضعافها تمهيداً للسيطرة الكاملة عليها”.
يضيف: “يستخدم الاحتلال ذرائع واهية لتبرير سيطرته على القرية، من بينها الادعاء بأنها تقع في منطقة أثرية يُمنع فيها البناء والسكن، رغم أن هذا الادعاء يتناقض مع القوانين الإسرائيلية، كما يستخدم حججاً أمنية تتعلق بقرب القرية من جدار الفصل العنصري ومستوطنة هارحوما المقامة على جبل أبو غنيم، ضمن أراضي بلدتي بيت ساحور في بيت لحم وصور باهر في القدس المحتلة”.
ويقول: “تُشكل قرية النعمان جزءاً من المشروع الاستيطاني الأوسع الذي يستهدف جنوب شرقي الضفة الغربية، وتمتد هذه المخططات لتشمل برية بيت لحم والقدس، ومساحات شاسعة تمتد من السواحرة الشرقية في بيت لحم، إلى مسافر يطا جنوب الخليل، بإجمالي مساحة تُقدَّر بنحو 170 ألف دونم. يسعى الاحتلال لتحويل هذه المناطق إلى معازل خانقة عبر استكمال بناء الحواجز، ما يؤدي إلى التهجير القسري. عزل المناطق وقطع طرقها الحيوية يُجبر السكان على مغادرة أراضيهم بفعل تضييق الخناق عليهم”.