صالحة علام – باحثة في الشؤون التركية
11/4/2024
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الفرنسية)
فيما يبدو وكأنه تحرّك سياسي ودبلوماسي عاجل، أصدرت وزارة التجارة التركية بيانًا هامًا يفيد باتخاذها قرارًا يقضي بتقييد تصدير خمسة وأربعين منتجًا حيويًا إلى إسرائيل بدءًا من التاسع من أبريل/ نيسان الجاري، تشمل وقود الطائرات، وجميع مواد البناء من الحديد والصلب، والكابلات الكهربائية، وكابلات الألياف الضوئية، والمواد العازلة المستخدمة في البناء، والأسمدة الكيماوية.
حملة إعلامية موجّهة
وأوضحت الوزارة في بيانها أنّ القيود التي تم فرضها على صادرات تركيا لإسرائيل ستظل قائمة ما دام عدوان إسرائيل على قطاع غزة، مستمرًا، ورفضها إدخال المساعدات للفلسطينيين بما فيها المواد الغذائية والإمدادات الطبية.
البيان الذي تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على نطاق واسع، بدا وكأنه حملة موجهة ومقصودة، تهمّ في مجملها الداخل التركي أكثر مما تهم الخارج.
جميع الأخبار المتداولة حول هذا الأمر، أشارت إلى أنَّ سبب هذا الموقف التركي المفاجئ، هو رفض إسرائيل، طلبَ أنقرة إدخال مساعداتها الإنسانية للقطاع عبر طائرات شحن تركية بالتنسيق مع الأردن، رغم أن هناك العديد من الدول تقوم بإيصال المساعدات إلى قطاع غزة من خلال الأجواء الأردنية، وتحت رعايتها دون اعتراض يذكر من جانب إسرائيل.
وزير الخارجية هاكان فيدان سبق قرار وزارة التجارة بتصريح أعلن فيه أنّ بلاده عازمة على اتخاذ سلسلة جديدة من الإجراءات ضد إسرائيل؛ لعرقلتها رغبة تركيا في إيصال المساعدات الإنسانية جوًا إلى غزة من خلال استخدام طائرات الشحن الخاصة بها، وأنه سيتم الإعلان عن هذه الإجراءات تباعًا، من خلال المؤسّسات المنوط بها القيام بهذه المهمة.
الرأي العام التركي المستهدف
الموقف التركي المفاجئ – واتساع تداوله بهذه الصورة – يؤكد أن المستهدف منه في المقام الأول هو الرأي العام التركي، وتحديدًا القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أن أكدت الكثير من التقارير التي تم رفعها للقيادة السياسية أن أحد أهم أسباب خسارة الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية التي أُجريت مؤخرًا- وتراجع نسب التصويت للحزب – يعود إلى أسلوب تعاطيه مع حرب الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزة، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، والسياسة التي تمّ اتباعها في هذا الملفّ.
ورأت القاعدة الشعبية للحزب تراخي هذه السياسة، وأنها تمثل نوعًا من المهادنة؛ رغم حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع، والوحشية التي يتعامل بها الجيش الإسرائيلي تجاه المدنيين العزّل هناك، خاصة أن هذا الأمر ترافق مع صدور العديد من البيانات من منظمات دولية وإسرائيلية، تفيد بأن حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب شهد ارتفاعًا ملاحظًا منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أضعاف ما كان عليه قبلها.
إجراءات صرامة
ورغم تصريحات النفي التي أصدرها المسؤولون الأتراك آنذاك – وتأكيدهم المستمر على أن التبادل التجاري بين بلادهم وإسرائيل شهد انخفاضًا كبيرًا وصل إلى 50% منذ اندلاع “طوفان الأقصى”، بل إن هناك توقفًا تامًا منذ فترة ليست بالقليلة، على عدم بيع أي من المنتجات التركية التي يمكن أن يتم استخدامها لأغراض عسكرية – فإن هذا النفي لم يقنع القاعدة الشعبية للحزب التي ترتكز في مجملها على شريحة الإسلاميين والمحافظين أصحاب الأيديولوجية الجهادية، الذين رأوا ضرورة التعبير عن رفضهم هذه السياسة، ومعاقبة الحزب عبر صناديق الانتخابات.
وهو الأمر الذي يتطلب من الحزب الحاكم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وأشد تأثيرًا، يمكن من خلالها إرضاء مؤيديه، واستعادة شعبيته المفقودة، وسد الطريق أمام سعي المعارضة للمطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة؛ قياسًا على النتائج التي أفرزتها الانتخابات المحلية.
لهذا ازدادت خلال الفترة الأخيرة تصريحات المسؤولين بشأن حجم المساعدات التي قدمتها الحكومة لقطاع غزة، إذ صرح وزير العدالة على سبيل المثال بأن بلاده أصبحت أكثر دولة ترسل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، وكتب فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية على صفحته بمنصة “إكس” أن بلاده – شعبًا وحكومة – هي الدولة التي أبدت أكثر المواقف فاعلية ضد حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
موقف إسرائيلي غاضب
وبينما أكد وزير التجارة عمر بولوت أن التبادل التجاري مع إسرائيل انخفض بصورة ملاحظة منذ “طوفان الأقصى”، فقد أوضح وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، أن بلاده قامت بتعليق خطط التعاون للتنقيب المشترك عن الطاقة مع إسرائيل في شرق المتوسط – إلى جانب خطط كانت تقضي بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أسواق أوروبا عبر تركيا – على خلفية أحداث غزة، والتعنت الإسرائيلي تجاه إرسال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.
الرئيس التركي أردوغان من جانبه، فضّل الحديث عن الأمر في رسالته المصورة لتهنئة الشعب التركي بحلول عيد الفطر، إذ قال :” لقد أظهرنا دعمنا للشعب الفلسطيني في محنته الحالية، وقمنا بإرسال أكثر من خمسة وأربعين ألف طن من المساعدات الإنسانية، وأننا منذ الآن فصاعدًا سنواصل دعمنا حتى تتوقف أنهار الدماء التي تسيل في غزة، ويقيم إخواننا الفلسطينيون دولتهم الفلسطينية الحرة وعاصمتها القدس الشرقية”.
قرارات تركيا بشأن وقف تصدير العديد من منتجاتها الحيوية لإسرائيل لم تمرّ مرور الكرام، إذ هدد الجانب الإسرائيلي علنًا باتخاذ إجراءات موازية ضد الموقف التركي، معلنًا أنه سيقوم بحملة عالمية واسعة النطاق لدى الدول المؤيدة لسياساته، والمنظمات الداعمة له داخل الولايات المتحدة الأميركية؛ كي تقوم بوقف جميع استثماراتها في تركيا، بما في ذلك سحب جميع ودائعها من البنوك التركية.
وصرَّح وزير الخارجية الإسرائيلي بأن بلاده ستقوم هي الأخرى، بإعداد قائمة بمنتجات تركية سيتم منع دخولها لإسرائيل، وأنهم سيلجؤُون إلى كل من الكونغرس والإدارة الأميركية لبحث انتهاك تركيا قوانين المقاطعة ضد إسرائيل؛ لفرض العقوبات اللازمة عليها، واصفًا القرار التركي بأنه انتهاك أحادي للاتفاقيات التجارية.
الأمر الذي يعني بداية مرحلة جديدة من التوتر في العلاقات التركية – الإسرائيلية قد تنعكس بالسلب على علاقات الأولى بالولايات المتحدة الأميركية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.