سليمان أبو ارشيد
20/04/2024
غني عن البيان أن المس بالكرامة من خلال الحؤول دون الحفاظ على النظافة الشخصية هي جريمة وفق القانون الدولي، أن تستخدم هذه الأمور لإذلال وقمع والمس بكرامة الأسرى هو جريمة، فقد قامت مصلحة السجون بمصادرة جميع الملابس…
حوار | الأسرى يمرون بظروف غير مسبوقة والسجون تحولت إلى معسكرات تعذيب(Gettyimages)
بعد استشهاد الأسير القائد وليد دقة في السابع من نيسان/ أبريل 2024، وصل عدد الشهداء الأسرى الذين استشهدوا جرّاء عمليات التّعذيب الممنهجة والجرائم الطبيّة، وسياسة التجويع منذ السابع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 16 شهيدا، علما أن هذا المعطى لا يشمل جميع شهداء الحركة الأسيرة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مع استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، حيث علم عن استشهاد 27 معتقلا منهم، فيما يبلغ العدد الإجمالي لشهداء الحركة الأسيرة 252 شهيدا.
ويعتبر دقة الذي أمضى 38 عاما في سجون الاحتلال واحدا من 600 أسير فلسطيني يقضون أو ينتظرون أحكامًا بالسّجن المؤبد، وهو من ضمن أقدم الأسرى الفلسطينيين المعتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية “أوسلو”، والذين يبلغ عددهم 21 أسيرًا بعضهم ما زال رهن الاعتقال منذ عام 1985، فيما ينضم أيضا إلى 27 من الأسرى الشهداء الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم بعضهم منذ عام 1980.
وتصاعد أعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ بعد السابع من أكتوبر، فهناك المئات من المرضى والجرحى، وأعدادهم في تصاعد مستمر جراء الجرائم والسياسات والإجراءات الانتقامية الممنهجة التي فرضها الاحتلال على الأسرى، وأبرزها التّعذيب والجرائم الطبيّة.
وتعتبر مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر، وفق تقرير صادر عن مؤسسات الأسرى عشية يوم الأسير الفلسطيني بأنها الأشد والأقسى في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، من حيث مستوى كثافة التعذيب والتنكيل والإجراءات الانتقامية المفروضة على الأسرى داخل السجون، والتي تمس بمصير الآلاف منهم.
ويتحدث التقرير عن مضاعفة أعداد الأسرى في السجون الإسرائيلية خلال الأشهر الستة الماضية ليصل إلى 9500 أسير، وهذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة (الإخفاء القسري)، وعن تصاعد أعداد الأسيرات الفلسطينيات ليصل إلى (80) أسيرة، وهو معطى لا يشمل كافة الأسيرات من غزة المحتجزات في المعسكرات.
ويشير التقرير إلى بلوغ عدد الأسرى الأطفال (الأشبال) ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا – أكثر من 200 طفل، علمًا أنّه، ووفقًا للمعطيات المتوفرة لدى مؤسسات الأسرى، فإنّ 24 طفلًا من غزة وهم من مجمل الأطفال في السجون، محتجزون في سجن (مجدو).
كما ارتفع عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ بعد السابع من أكتوبر بوتيرة غير مسبوقة تاريخيًا، حيث وصل عددهم إلى أكثر من 3660 معتقلًا إداريًا (حتى بداية نيسان) من بينهم 22 من النساء، وأكثر من 40 طفلًا، فيما يبلغ عدد المعتقلين الذين يصنفهم الاحتلال (بالمقاتلين غير الشرعيين) وفقًا لمعطى إدارة السّجون، 849 وذلك حتى بداية نيسان 2024.
المحامية سحر فرنسيس
حول هذا الموضوع، حاورنا الناشطة في قضايا الأسرى وحقوق الإنسان، المحامية سحر فرنسيس.
“عرب 48”: نحن نعرف أن السابع من أكتوبر هو الذريعة التي جرى استغلالها من قبل الوزير العنصري بن غفير لتنفيذ سياسته الفاشية ضد الأسرى، وهي سياسة لا تكتفي بالسجن وحده كعقاب بل تسعى إلى تحويل ظروف السجن إلى جحيم دائم، من خلال أعمال التنكيل والتجويع وإساءة الظروف الصحية والبيئية، إشباعا لغريزة الانتقام المرضية. وفي وقت تنظر فيه العليا الإسرائيلية بالتماس حول سياسة التجويع نعرف أن مصلحة السجون تراجعت عن قرار سابق للعليا حول الاكتظاظ في السجون؟
فرنسيس: منذ بداية الحرب على غزة كان هنك قرار لدى بن غفير ولدى مصلحة السجون، بعدم احترام القرار السابق للعليا بتحديد المساحة المسموحة لكل معتقل داخل الغرفة وهي أربعة أمتار مربعة وادعوا أنهم لن يستطيعوا الالتزام بذلك بسبب الظروف.
ومن الواضح أن تلك كانت الأداة القانونية أو غير القانونية لتبرير احتجاز آلاف المعتقلين الذين ينامون اليوم على فرشات رقيقة جدا وبظروف غير إنسانية، حيث يتم حشر 12 – 15 أسيرا في الغرفة التي تتسع لـ6-8 أشخاص، بعد أن ازداد عدد المعتقلين إلى الضعف تقريبا أي من 5200 إلى 9500 معتقل، وهو عدد لا يشمل معتقلي غزة الذين يتم احتجازهم في معسكرات اعتقال خاصة، فيما يقول بن غفير بكل وقاحة إن الحل لمشكلة الاكتظاظ هو تنفيذ حكم الإعدام.
ويبدو أن هذه الحكومة والوزير المسؤول يمررون في ظل الحرب سياسة مبيتة ضد الأسرى، كان هذا الوزير العنصري قد أعلن عنها منذ توليه لمنصبه، وهي سياسة تنم عن موقف حاقد وانتقامي وغير قانوني، ولتسهيل تنفيذ هذه السياسة قام بفصل مديرة مصلحة السجون السابقة وتعيين شخص موالي له يمرر سياسته بدون نقاش.
الاكتظاظ يترافق مع ظروف صحية وبيئية غير مناسبة، خاصة بعد إلغاء “الفورة” (الخروج للساحة) وتحديدها بنصف ساعة أو ساعة كحد أقصى فقط، وعندما يتواجد 14 – 15 معتقلا في غرفة بمساحة تفتقر للتهوئة المناسبة ولا يتعرضوا للشمس بشكل كاف سيؤدي ذلك إلى تفشي الأمراض الجلدية بين الأسرى.
من جهة ثانية جرى إغلاق العيادات التي كانت في السجون بشكل كامل منذ السابع من أكتوبر، وقصر الخدمات الطبية على الأمور الأساسية البسيطة التي لا تتعدى المسكنات، وهذا ما يفسر استشهاد هذا العدد من الأسرى نتيجة الإهمال الطبي خلال فترة قصيرة، يضاف إلى ذلك سياسات التجويع وقطع الكهرباء والمياه وغيرها.
“عرب 48”: هناك التماس أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بخصوص سياسة التجويع؟
فرنسيس: من مقابلاتنا مع أسرى وأسرى سابقين جرى إطلاق سراحهم مؤخرا، أكدوا أن نوعية الطعام وكميته انخفضت بشكل حاد، أكد على ذلك أيضا معتقلو قطاع غزة، علما أن معتقلي الضفة معاناتهم أقل وطأة حيث يقدم لهم طعام مطبوخ، لكن العديد من الأسرى أكدوا أنهم كانوا أحيانا يضطرون لتناول أشياء لا يعرفون ما هي لأنهم مضطرون للأكل حفاظا على قواهم.
هذا يبدو أيضا على أجساد المعتقلين وملامحهم خلال التقائنا بهم في المحاكم، الفرق في الوزن والضغف الذي يبدو واضحا على المعتقلين يؤكد فعليا عملية التجويع الحاصلة، إضافة إلى الحرمان وتقنين الأمور الأساسية مثل الحاجة للاستحمام وتبديل الملابس.
وغني عن البيان أن المس بالكرامة من خلال الحؤول دون الحفاظ على النظافة الشخصية هي جريمة وفق القانون الدولي، أن تستخدم هذه الأمور لإذلال وقمع والمس بكرامة الأسرى هو جريمة، فقد قامت مصلحة السجون بمصادرة جميع الملابس ولم تبقي للأسرى سوى الملابس التي يرتدونها، حتى أن معظم الأسرى صاروا يغسلون ملابسهم ويرتدونها قبل أن تجف لعدم توفر “غيار” آخر.
“عرب 48”: رغم هذه الإجراءات التعسفية التي تتوافق مع عقلية بن غفير الفاشية، لوحظ وما زال غيابا كاملا للقضاء وعلى رأسه المحكمة العليا؟
فرنسيس: للأسف فإن المحكمة العليا رفضت في الأشهر الأولى للعدوان على غزة، التعاطي مع الشكاوى التي قدمت من جمعية حقوق المواطن، هموكيد، اللجنة ضد التعذيب وعدالة وغيرها من المؤسسات الحقوقية العاملة في إسرائيل، حيث جرى رفض هذه التماسات ولم يتم التعاطي معها، أما اليوم فإن التغيير الطفيف يتمثل في استعداد العليا للتعاطي مع هذه الالتماسات والاستماع إليها دون وجود بصيص أمل بأنها يمكن أن تنصف الأسرى، وهذا يدل على أن المحاكم الإسرائيلية ممثلة بأعلى هيئاتها تعطي الضوء الأخضر لهذه الممارسات ولكل هذا القمع الذي يعتبر عقوبة جماعية.
وكما نعرف فإن القانون الدولي والإسرائيلي أيضا يحظر المس بكرامة الفرد الإنسانية حتى لو كان قد ارتكب مخالفة جنائية، واستنادا إلى هذا المنطق يحرم التعذيب نهائيا، وتعريف التعذيب في الاتفاقية ذات العلاقة يشمل أيضا سوء المعاملة والإهانة والتصرفات التي تحط من الكرامة، فالعقاب هو الاعتقال ويقتصر على فرض عقوبة محددة وليس إساءة المعاملة ووضع المعتقلين في ظروف غير إنسانية.
“عرب 48”: إسرائيل استغلت الحرب لتنفيذ اعتقالات إدارية بالجملة، حيث تحتجز الآلاف دون توجيه تهم محددة ودون محاكمة؟
فرنسيس: الاعتقال الإداري هو اعتقال تعسفي بطريقة صارخة وقد مارسته إسرائيل ضد الناشطين الفلسطينيين بوتائر مختلفة وفقا لتصاعد وهبوط النضال الفلسطيني، وقبل السابع من أكتوبر شهدنا ارتفاع كبير في الاعتقال الإداري، بينما شهدت الفترة ما بعد السابع من أكتوبر قفزة هائلة في استعمال هذا الإجراء ضاعفت من أعداد المعتقلين الإداريين الذين وصل عددهم حتى بداية نيسان الحالي 3661 معتقلا، وأعتقد أن هذا العدد ناهز اليوم الـ3700 لأنه فقط في الأول من أمس تم إصدار 150 أمر اعتقال إداري، وهو أمر غير مسبوق أيضا.
وكما هو معروف فإن الاعتقال الإداري مبني على ملفات سرية لا نعرف ماذا تحتوي، لكن من المفارقة الهجوم والإخراس والتضييق الذي يحصل على أي تصرف يعبر فيه المرء عن رأيه المتضامن مع شعبه في غزة، أو ينتقد الجرائم التي يتم ارتكابها هناك، فهذا يعتبر تحريض على العنف أو إنه يشكل خطورة، وعندها إما يتم تقديم لائحة اتهام ضد الشخص على عنف ودعم للإرهاب أو يجري اعتقاله إداريا.
غالبية الملفات التي يجري تقديمها للمحكمة هي إما ضرب حجارة ومشاركة في مظاهرات واحتجاجات أو كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة مقالات وفيديوهات، ومن لا يستطيعوا تقديم لائحة اتهام ضده يعتقلونه إداريا.
وهذه الاعتقالات تجري بالجملة، كما قلت، وبشكل رهيب ضد كل من كان له ملف سابق أو ماض “أمني”، فهناك أناس اعتقلوا في المرة الأخيرة قبل أكثر من عشر سنوات جرى اعتقالهم وفرض عليهم بالاعتقال الإداري.
“عرب 48”: عامل الانتقام ورغبة وزير الأمن الداخلي في تنفيذ فلسفته الفاشية ضد الفلسطينيين واضح في هذه الاعتقالات، إلى جانب محاولة قمع أي محاولة للتضامن مع أهالي قطاع غزة والتخوف من فتح جبهة أو جبهات أخرى؟
فرنسيس: هناك عامل آخر إلى جانب الانتقام والقمع، يتمثل في زيادة أوراق الضغط في أي صفقة تبادل أسرى قادمة، وما يثبت ذلك أن هناك معتقلين إداريين أصدر ضدهم القائد العسكري أمر اعتقال لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، علما أنه يمتلك صلاحية لمدة ستة أشهر، ونحن نعرف أن عدم استنفاذ الصلاحية دليل على مدى الخطورة من هؤلاء الأشخاص، وفي أحيان يصر القضاة على عدم التجديد لعدم وجود مواد جديدة يتقدمون باستئنافات على هذه القرارات بشكل غير معقول، أو حين يعطي القائد العسكري أمرا بالاعتقال الإداري لمدة شهرين فقط، فهذا دليل أنهم يستعملون هؤلاء الأشخاص كورقة ضغط أو كرهائن.
“عرب 48”: ماذا بشان أسرى غزة؟
فرنسيس: المعلومات المتوفرة لدينا عن أسرى غزة مرتبطة بما جمعناه من المقابلات مع الأسرى الذين أفرج عنهم في الإعلام، وبعض المعلومات التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية، ومن المقابلات التي أجريناها بشكل مباشر مع أشخاص أطلق سراحهم.
الأسرى يتركزون في معسكري اعتقال “سديه تيمان” في النقب و”عناتوت”، بينما تقر مصلحة السجون أن لديها 865 معتقلا مقاتلا غير شرعي، وهو ما يثبت وجود معتقلين من غزة في عوفر ومجيدو والنقب، وأسيرات في الدامون كما أفاد معتقلون تحرروا من هذه السجون.
وتشير المعلومات التي نمتلكها أنهم يعيشون ظروفا أسوأ بكثير من الظروف السيئة التي يعيشها سائر الأسرى، فهم يتعرضون للإذلال والاعتداءات اليومية، ولا يسمح لهم بتغيير ملابسهم وتقليم أظافرهم، حيث بدت مناظر الأسرى الذين جرى إطلاق سراحهم مخيفة.
وفي “سديه تيمان” و”عناتوت” يتحدثون عن تقييد طيلة 24 ساعة بأيديهم وأرجلهم، ولا شك أنك قرأت قبل أسبوعين عن الطبيب الذي تحدث في تقرير نشرته “هآرتس” عن البتر (الطبيب كشف عن بتر ساق أسيرين خلال أسبوع بسبب جراح تقييدهم بالأصفاد، وقال إننا نتحدث عن أمر بات اعتياديا) وقبل أيام جرى تحرير شخص بتروا رجله، قال في مقابلة للجزيرة إنه اعتقل سليما معافى وخرج مع قدم مبتورة بسب “الغرغرينة” التي تسبب بها القيد.
و”المقاتل غير الشرعي” وفق التصنيف الإسرائيلي هو شبيه بالإداري ولكنه غير محدد بمدة زمنية، حيث يستطيعوا إبقائه رهن الاعتقال إلى حين انتهاء العمليات الحربية أو إلى ما بعد ذلك، وهم يقرروا متى يصدروا الأمر ومتى يقومون بالرقابة القانونية ولذلك فرضوا أمر اعتقال لمدة 45 يوما وهناك من جرى تحريرهم بعد انتهائها دون إجراء قانوني، وهناك من جرى تجديد الأمر بـ45 يوما أخرى، فيما يمنع الالتقاء مع محام مدة 90 يوما يمكن تمديدها بـ90 يوما أخرى لتصل إلى ستة أشهر.