افتتاحية قاسيون 1136
تتوزع حصة الأجور من الدخل الوطني على بندين أساسيين، كتلة الأجور/الرواتب، وكتلة الدعم. أي حديث عن زيادة الأجور ينبغي أن ينظر في هذين البندين معاً.
وبما أنّ السلطات تتحدث عن رفع للأجور مقابل تخفيض للدعم، فإنّ رفع الأجور حين يكون تضخمياً أي حين يشتري الراتب الجديد مثل ما كان يشتريه الراتب القديم أو أكثر بقليل أو أقل، كما هو الأمر عادة، فإنّ ما جرى فعلياً وبأحسن الأحوال، هو إبقاء لكتلة الأجور على حالها، مع تخفيض إضافيٍ للدعم. أي بوضوح، هو عملية نهبٍ جديدة وإضافية من حصة أصحاب الأجور إلى حصة أصحاب الأرباح.
فلننظر إلى لوحة الأجور ومستوى المعيشة بعد مرسوم زيادة الرواتب الأخير، والذي ترافق مع حملة رفع أسعار رسمية بالدرجة الأولى وغير رسمية تالياً، أي مع حملة جديدة على ما تبقى من الدعم.
• قبل «الزيادة»، كان الحد الأدنى لمستوى المعيشة لأسرة من 5 أفراد حوالي 4 ملايين و100 ألف. بعد «الزيادة» أصبح هذا الحد هو حوالي 6 ملايين 490 ألف، علماً أنّ هذا الرقم يعكس فقط اللحظة الراهنة، والمؤكد هو أنّ الأسعار لم تستقر بعد الإجراءات الأخيرة وستواصل ارتفاعها السريع خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
• قبل «الزيادة» وبعدها فإنّ الحد الأدنى للأجر، بافتراض عمل شخصين في أسرة من 5 أفراد، يغطي بحدود 5% فقط لا غير من التكاليف الأساسية للمعيشة.
مرة أخرى، حساب التكاليف هذا هو بعد أسبوع واحد من الزيادة، والأسعار تواصل صعودها وسرعان ما سيتم التهام الفرق البسيط الذي حصل في القيمة الشرائية للأجر، وربما ستنحدر قيمته الشرائية دون قيمته السابقة قبل الزيادة.
ودون تعقيد في الحسابات، (وتفرد قاسيون في عددها هذا ملفاً كاملاً لهذا الشأن)، فإنّ ما جرى باختصار هو أنّ كل تخفيض للدعم جرى خلال هذه الفترة، وكل رفع للأسعار، قد جرى فعلياً دون أي تعويض. وكل ليرة سورية تم اقتطاعها من الدعم، ذهبت مباشرة لحصة أصحاب الأرباح ولم يذهب منها شيء لأصحاب الأجور.
بالتوازي مع هذه المصائب التي تقع تباعاً على رؤوس الـ90% من السوريين، يواصل سعر صرف الليرة السورية انهياره بتسارع غير مسبوق. وبات رقم 15000 ليرة سورية للدولار الواحد مجرد خطٍ تأشيري للانهيارات القادمة، بعد أن كان سعره بحدود 10000 ليرة للدولار الشهر الماضي فقط!
إنّ الجدل القائم حول السياسات الجارية، ومسرحية تراشق المسؤوليات بين الحكومة ومجلس الشعب، تحجب عمداً وبشكل مقصود دور الشريحة الطبقية المهيمنة على قرارات مجلس الشعب والحكومة، ودور البنك المركزي السوري خصوصاً بوصفه أداة أساسية بيد هذه الشريحة.
إنّ السياسات الليبرالية المتوحشة المعادية لعموم السوريين، هي النهج الثابت لدى الشريحة الطبقية المسيطرة، بغض النظر عن تغير الحكومات وتغير مجالس الشعب وأعضائها. هذه الشريحة نفسها، يتضمن نهجها الثابت العمل المتواصل ضد التوجه شرقاً، وضد تخليص الليرة السورية من التبعية للدولار؛ فرغم كل ما تقدمه التوازنات الدولية الجديدة من فرص، إلا أنّ سلوكها يدل على ارتباطها العضوي بالغرب اقتصادياً بالدرجة الأولى، وسياسياً بالدرجة الثانية.
عند هذا الحد، يصبح من المفهوم تماماً لماذا يتم العمل ضد ثلاثي أستانا، وضد السعي نحو تطويق العقوبات والحصار الغربي عبر تسوية سورية تركية، ويصبح مفهوماً أيضاً لماذا يتم العمل ضد التقارب العربي مع سورية، وضد مساعي إعادة استقرار ووحدة البلاد.
وفوق هذه وذاك، يصبح مفهوماً أيضاً لماذا يجري عمل محمومٌ لشيطنة الحركة الشعبية بموجتها الجديدة حتى قبل أن تقف على قدميها، ويجري بالتوازي العمل على نصب الأفخاخ لها بكل الطرق الممكنة، وعبر المتشددين في كل من النظام والمعارضة على حد سواء.
لا حل اقتصادياً للأزمة الاقتصادية والمعيشية السورية، ولا حل إنسانياً للكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون. الشلل والجلطة الاقتصاديان قد حدثا فعلاً، والحل كان وما يزال حلاً سياسياً عبر القرار 2254 عبر التفاهم بين أستانا والدول العربية الأساسية من جهة، وعبر نمو وتطور الحركة الشعبية السورية بثبات وبالتدريج وبوعي وبتنظيم تستفيد فيه من كل الدروس السابقة التي دفعت ثمنها عذابات لا تعد ولا تحصى…