محمد أبو رمان – العربي الجديد
20 أكتوبر 2024
الشهيدان عامر قوّاس (يمين) وحسام أبو غزالة (وسائل التواصل الاجتماعي)
شابّان في منتصف العشرينيات، من سكان ضاحية الهاشمي الشمالي في عمّان، جامعيان، من جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، على مستوىً واضح من الثقافة والاطّلاع: حسام أبو غزالة، وهو مهندس طاقة متجدّدة، متزوج وله أبناء، وعامر قوّاس، أستاذ مدرسة، وخرّيج جامعة العلوم الإسلامية العالمية، في الفقه الإسلامي على المذهب الشافعي. وهما، كما أكّد لي أصدقاء مقرّبون منهما، من الطبقة الوسطى، ومن الناشطين في المجال العام مع جماعة الإخوان المسلمين.
قام “الرفيقان” بعملية عسكرية في جنوب البحر الميت في الأردن، وأصابا جنديين إسرائيليين نهار يوم الجمعة، غداة الإعلان عن اغتيال يحيى السنوار، ونُشرت وصيّتهما المصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في سابقة أردنية. ومن الواضح من حديثهما أنّهما قررا القيام بالعملية وأعدّا لها قبل الإعلان رسمياً عن اغتيال السنوار، وربما فكّرا أن تكون ردّاً على ذلك!
في البحث المعمّق في صفحاتهما على مواقع التواصل، من السهولة ملاحظة حجم التأثير العميق والكبير للعدوان الإسرائيلي على غزّة عليهما وجدانياً وفكرياً، ومن الواضح أنّهما أبعد ما يكونان عن الخطوط المعروفة في الجهادية الأردنية، فهما متأصّلان في فكر الإخوان المسلمين، ومؤيّدان بقوة لحركة حماس ولكتائب عز الدين القسّام. وفي الوقت نفسه، وهنا ربما المفاجأة الأخرى، أقرب فكرياً إلى خط التصوّف المعتدل دينياً وفقهياً، بخاصة عامر قوّاس الذي تُظهر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقاته القريبة صوراً له مع شخصياتٍ دينيةٍ رسميةٍ ومؤسّسات علمية ليست معروفة بأيّ نشاط سياسي، فضلاً عن أن يكون معارضاً، بالرغم من أنّه مرتبط بصورة واضحة ومعلنة بجماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي.
ويفيد أصدقاء منفّذي العملية في جماعة الإخوان بأنّهما كانا ناشطين بصورة كبيرة في الأنشطة الشعبية الداعمة لحركة حماس وفي الانتخابات النيابية أخيراً التي حقق فيها حزب جبهة العمل الإسلامي انتصاراً انتخابياً كبيراً، بحصوله على 31 مقعداً في المجلس، وما يقارب نصف مليون صوت على صعيد القائمة الوطنية الحزبية، وهي نسبة تعادل 30% من الأصوات من المقترعين في المملكة، وما قد يزيد بـ10% (أي 40%) إذا استبعدنا الأوراق المُلغاة والبيضاء، وهو الانتصار الذي اعتُبر في بعض ديناميكياته مرتبطاً بشعبية حركة حماس في أوساط الشارع الأردني.
ليست هذه المرّة الأولى التي ينفّذ فيها شبابٌ عمليات أو يحاولون القيام بأعمال في الضفة الغربية. وهنالك دعايات إسرائيلية مستمرّة عن محاولات في الفترة الأخيرة، وحتى على صعيد جماعة الإخوان المسلمين، كان هذا النمط من العمليات، التي تأخذ طابعاً فردياً من شباب الجماعة، موجوداً قبل فترة طويلة تعود إلى الانتفاضة الأولى 1988. وتأتي هذه العملية بعد أسابيع على عملية أكثر قوةً نفّذها سائق شاحنة أردني أدّت إلى قتل عدّة إسرائيليين، قبل أن يُقتل.
الجديد، وربما الإشارة الأكثر خطورة، أنّ هذه العملية تعكس توجّهات جيل جديد من الشباب الصغير الغاضب، الذي وُلد وعيُه على الأحداث الواقعة في فلسطين منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم المواجهات في الضفة الغربية (قبل طوفان الأقصى)، ولاحقاً عملية طوفان الأقصى، وهو جيلٌ معبّأ بصورة كبيرة ضد إسرائيل وأميركا والغرب والدول والحكومات العربية التي وقفت عاجزة، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على موجة شعبية جديدة من الغاضبين الشباب، لكنها هذه المرّة لن تكون بوجهٍ واحد، كما تمثّل في العقدين الماضيين (عبر موجات السلفية الجهادية؛ “القاعدة” ثم “داعش”)، بل سيكون الوجه الجديد ذا طبيعة سياسية أكثر ومرتبطاً بالقضية الفلسطينية وطوفان الأقصى بدرجة أعمق، وبالصدمة الكبيرة لدى هذا الجيل من النفاق الدولي والعالمي والعجز العربي، فصورة النكبة الجديدة في غزّة والاغتيالات والقتل والتدمير والوحشية البربرية الإسرائيلية ترسم ملامح المشهد المقبل لدى الأجيال الجديدة من الشباب في العالمين، العربي والإسلامي، وفي الأردن بصورة خاصة.