د حسن الهرماسي
تمر الأيام والسنين، تتغير الملامح وتتبدل الأحوال، تتواتر الأحداث، وتتزاحم تداعياتها،تتشابك وتترك آثارها نقوشا في وجداننا قبل أبداننا، يعبر شريط الذكريات وكأنه ومضة برق في عمر الزمان، نستعرض فيها ما مضى وما كان، تستوقفنا لحظات عصية على النسيان.
وعند الحديث عن النكسة والزعيم جمال عبد الناصر، وبعد اكثر من نصف قرن عن ذلك الحدث العصيب، وبعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر عن دنيانا، فان الزعيم لايزال حيا بيننا في كامل أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وتخطت ذلك النطاق الجغرافي لتمتد إلى أحرار العالم.
واذا كان الحديث عن عبدالناصر وما حققه في الفترة القصيرة التي حكم فيها يتطلب مجلدات كبيرة، فاني سأكتفي باقتطاع فترة السنوات الثلاث الاخيرة من حياته لاهميتها وصعوبتها، ولأنه في مثل هذه الأوقات يظهر معدن الرجال: بعد هزيمة الجيش المصري عام 1967 وبالرغم من تكاليف عمليتي إعادة بناء الجيش المصري وارالة آثار العدوان، استطاعت مصر أن تحافظ على نسبة النمو الاقتصادي كما كانت سنة 1966 بل زادتها في عامي 1969 و 1970 إلى 8 % سنويا ، وحقق الاقتصاد المصري عام 1969 – لأول وآخر مرة في تاريخ مصر – زيادة في فائض الميزان التجاري بقيمة 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان.
كما استطاع الاقتصاد المصري أن يتحمل تكاليف إتمام بناء السد العالي الذي اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسي وتنموي في القرن العشرين.
وعندما توفى الرئيس ناصر كان لدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز 250 مليون دولار وذلك بشهادة البنك الدولي، وكان اقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية ، و كان الجنيه المصري يساوى ثلاثة دولارات ونصف، وبلغت قيمة القطاع العام الذي بناه الشعب المصري في عهد عبد الناصر 1400 مليار دولار وذلك حسب تقديرات البنك الدولي.
علما ان عبد الناصر شخصيا لم يكن يمتلك عند وفاته الا بضعة مئات من الجنيهات.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الانجازات الاقتصادية الضخمة تحققت رغم نفقات المجهود الحربي وتكاليف ارالة أثار العدوان ورغم حرمان مصر من عائدات قناة السويس بسبب إغلاقها في ذلك الوقت، ورغم عدم توفر عائدات النفط والغاز الحالية، وبدون الدعم المالي الأمريكي الحالي.
رغم الهزيمة لم ينكسر جمال عبد الناصر ولم يستسلم ورفع شعار لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات، وعمل على إزالة آثار الهزيمة وخاض حرب الاستنزاف وأعاد بناء الجيش المصري الذي نفذ فيما بعد العبور حسب الخطط التي رسمها ناصر والشاذلي .
عرضوا على ناصر أن يعيدوا سيناء لمصر، وفقط مقابل إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، ودون تطبيع أو علاقات دبلوماسية، الا انه رفض ان يتنازل او يتخلى عن القدس عاصمة فلسطين وقبلة المسلمين الأولى ومحط ترحلاهم، وللأسف نشهد اليوم – في غياب ناصر – كيف يتخلى كثير من الحكام العرب والمسلمين عن قدس اقداسهم ويوافقون بالصمت وغض الطرف على تهويدها وسرقتها.
كان عبد الناصر حريصا على أن يحافظ على الاستقلال والكرامة والسيادة الوطنية ولم يسمح أن تكون مصر مرتعا للمخابرات الأجنبية ولا لما يسمى منظمات المجتمع المدني التي تتلقى الدعم المالي والمعنوي والسياسي من الدول الغربية، ونعلم جميعا أن لهذا المال شروطه واملاءاته وأهدافه السياسية وهي قطعا لا تتلاقى مع السيادة الوطنية والمصالح القومية.
لم يكن جمال عبد الناصر منزَّها ولا نبيا ولكنه كان اشرف وأنبل واصدق وأكثر وطنية ونزاهة وكفاءة وكرامة من حكام عصره الذين حكموا في بلاد العرب والمسلمين.
باختصار كان عبد الناصر مقتدرا وصاحب كرامة وكبرياء .. لم يستسلم ولم ينكسر ولم يفرِط ولم يسرق.
أسئلة عديدة تتبادر للذهن اليوم وهي مألوفة ومعروفة من القاصي والداني !
-أين الاقتصاد الوطني في البلدان العربية؟
-ماذا كانت نتائج اتباع نهج اقتصاد السوق، وبيع القطاع العام؟
-لماذا نتخلف مجتمعيا باستمرار وبشكل مخز ؟
-لماذا لم يتوحد العرب، معتبرين من أخطاء ومعطيات الماضي ؟
-لماذا قامت وتقوم صراعات دينية وطائفية وعرقية في وطننا العربي ؟
-ماذا عن أوضاع الأمة العربية؟
-لماذا قام (مجانياً) صلح وسلام وتفاوض مع العدو ؟
-لماذا لم يُعـد حكامنا العدة لتحرير فلسطين ؟
ما رأيكم فيمن تدعونهم النخبة ممن باتوا سلعا في سوق التهريج السياسي والمجتمعي والفضائي وموضع سخرية العالم المتحضر القوي؟
لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ …إلخ، بكافة أدوات الاستفهام أوجه أسئلتي لهؤلاء ممن حاولوا عبثا أن يشوهوا حلم جمال عبد الناصر ومشروعه لنهضة هذه الأمة.
لقد مضى على رحيل جمال عبد الناصر مايزيد عن نصف قرن وما زال العالم كله ( العدو قبل الصديق ) يذكره ويتذكره.. ومَن مِنَ الحكام الذين عاصروه يحظى بمثله او بمثل ذكراه؟
هل عرفتم ألان لماذا نحب جمال عبد الناصر
ولماذا نفتخر أننا عشنا – ولو لسنوات قليلة- في زمن جمال عبد الناصر
سلام عليك أيها القائد والمعلم العظيم
سلام عليك يوم ولدت، سلام عليك يوم مت وسلام عليك يوم تبعث حيّا،