منصور حسين – أورينت نت
2023-07-14
يبدو أن نظام ميليشيا أسد قد بدأ حصد نتائج تنشيط ملف اللاجئين إقليمياً، مع زيادة عمليات الترحيل القسري والضغوطات الممارسة ضد اللاجئين، التي أجبرت قسماً من الشبان على دفع البدل النقدي للخدمة العسكرية تجنباً لعمليات الاعتقال أو التجنيد في حال إعادتهم إلى سوريا.
فمع تشديد السياسيات والتدابير التي اتخذتها دول العبور إلى أوروبا، لم يعد أمام كثير من الشبان المطلوبين للخدمة في ميليشيا أسد خيار عن دفع بدل الخدمة لمواجهة حملات الترحيل التي يتعرضون لها في العديد من الدول.
وحدد مرسوم أسد التشريعي رقم “31” لعام 2020، البدل النقدي للمكلف المقيم خارج البلاد “بعشرة آلاف دولار أمريكي لمن دخل سن التكليف ولم يتجاوز السنة على مغادرته سوريا، وتسعة آلاف دولار لمن تجاوز السنتين وثمانية آلاف للثلاث سنوات وسبعة آلاف دولار لمن تجاوزت إقامته الأربع سنوات خارج الأراضي السورية”.
تهيئة الظروف
ومع تصاعدت مخاوف الترحيل إلى مناطق سيطرة أسد التي باتت واقعاً بالنسبة إلى اللاجئين السوريين في دول الجوار، خاصة المقيمين في لبنان وتركيا، بدا لافتاً زيادة أعداد الشبان الذين يلجؤون لدفع بدل الخدمة.
ويؤكد عبد الرحمن وهو لاجئ من مدينة حماة ويقيم في تركيا، على أن القلق من إعادة اللاجئين إلى مدنهم الأصلية والظروف الاقتصادية التي تتجه إلى الأسوأ، أجبرته على دفع البدل استعداداً لأي طارئ.
ورغم تطمينات الحكومة التركية بعدم استخدامها سياسة الإبعاد القسري ضد اللاجئين، إلا أنها لا تبدو كافية بالنسبة إلى الكثيرين، ومنهم عبد الرحمن الذي استدل بتأجيج خطاب الكراهية ضد السوريين خلال الأشهر الماضية والتقارب التركي مع أسد.
وعن طريقة دفع البدل النقدي، أوضح عبد الرحمن أنه قام باستخراج سند إقامة من قائم المقام وترجمته، واستنساخ صورة عن بطاقته الشخصية ثم حجز موعداً لدفع البدل داخل القنصلية ” كانت الإجراءات سهلة جداً على عكس المتوقع، خاصة وأني لا أملك دفتر الخدمة العسكرية أو جواز سفر”.
ويقول: الصعوبة الحقيقية تمثلت بانتظار موعد الحجز الذي حصلت عليه بعد أسبوعين تقريباً من التقديم، وأيضاً الدخول إلى مكتب القنصلية بسبب الازدحام ووجود الكثير من المنتظرين لدفع البدل، عدا عن المصطفين للحصول على جوازات السفر.
ويشير إلى أن “الإجراءات كانت سلسة وروتينية جداً، والتأخير كان بسبب عدم وجود دفتر الخدمة العسكرية لدي، حيث قدمت الأوراق خلال الموعد الأول، وبعد أقل من شهر حصلت على ورقة التسريح من شعبة تجنيد أسد.
الخوف عامل محفز
بينما استبق خالد وهو لاجئ سوري كان يقيم في لبنان، حملات المداهمة والترحيل التي ينفذها الجيش اللبناني ضد اللاجئين، بالعودة إلى مدينته حلب بعد دفعه بدل الخدمة، للخلاص من حياة الرعب والقلق التي كان يعيشها.
ويقول: قمت بتوكيل والدي الموجود في المدينة، الذي قام بدوره باستخراج وثيقة من شعبة التجنيد وتجهيز كل الأوراق ودفع البدل النقدي وهو 8000 دولار، ثم إرسال الورقة عبر السفارة السورية في بيروت، ومنها قمت باستلام الورقة والعودة براً إلى حلب.
ويشير إلى أن شركاءه في السكن وعددهم سبعة أشخاص قاموا بدفع البدل رغم بقائهم في لبنان “بعضهم استدان لتوفير المبلغ وآخرون اضطر أهلهم لبيع بعض أملاكهم ودفع قيمة البدل” .
ويردف: غالبية الشباب في لبنان اليوم بدؤوا بالبحث عن طرق لدفع بدل الخدمة بسبب حملات الترحيل والخوف من الاعتقال والسوق للخدمة، والمطلوبون أمنياً يحاولون إيجاد طرق تهريب للشمال السوري.
زيادة ملحوظة
ورغم غياب الأرقام الرسمية عن أعداد المتقدمين لدفع بدل الخدمة العسكرية النقدي، يؤكد أحد السماسرة الذين يعملون في مجال الخدمات القنصلية في تركيا ممن تواصلت معهم “أورينت” أن الأعداد آخذة بالارتفاع بشكل لافت خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويوضح في حديثه لـ “أورينت” أن التقديم لدفع البدل كان يتم عن طريق مكاتب التعقيب والمتعاونين مع القنصلية، لكن وبسبب زيادة الأعداد قامت القنصلية بحصر الإجراءات داخل مكتبها.
ويقول: هناك تسهيلات كبيرة للراغبين بدفع البدل من خلال إعادة فتح باب الدفع الخارجي بعد توقفه منذ شهر شباط عام 2021، وأيضاً تسهيل عملية استخراج الوثائق من شعب تجنيد أسد التي كانت محصورة بالداخل السوري أيضاً، وهو ما ساهم بتقليل التكلفة بنحو 2000 دولار أمريكي.
مؤكداً على أن قنصلية أسد في إسطنبول التي تعتبر أقل المكاتب المستقبلة للراغبين بدفع بدل الخدمة، بناءً على الصفة العامة للاجئين ومواقفهم المعارضة لأسد، فإنها تنجز بين 20 إلى 50 طلباً يومياً، من المقيمين في تركيا أو الدول الأوروبية.
الملايين إلى جيب أسد
ويعتبر الكاتب والباحث السياسي باسل معراوي، أن نظام أسد قد مهّد لهذه الحالة منذ سنوات، من خلال تسهيل سفر الشباب الذين دخلوا سن التكليف “ولا تمنعهم المواقف السياسية من العودة”، واستمرار التضييق عليهم لإرغامهم على الدفع.
ويقول: بدأ أسد التخلص من الشباب لعدم قدرته على تأمين أبسط شروط الحياة لهم، وتسهيل آلية حصولهم على جوازات السفر، بهدف تحويلهم إلى مصدر للعملة الصعبة من خلال الحوالات التي يرسلونها إلى ذويهم في الداخل، ومعرفته المسبقة بأن كل ما يجنونه سيدفع كبدل للخدمة العسكرية في سبيل عودتهم لزيارة سوريا، ما يعني ملايين الدولارات السهلة التي تدخل خزينته يومياً.
ويضيف: إن انتفاء حاجة أسد إلى المزيد من المجندين بعد توقف المعارك، والتهويل الإعلامي لداعش وممارساتها وغيرها من الظروف التي يعيشها مجندو ميليشياته، جميعها أمور تدفع السوريين للعمل سنوات وبيع ممتلكاتهم مقابل الخلاص من هذا الجحيم، عدا عن تهديدات الترحيل والظروف السياسية والأمنية التي يعيشها اللاجئون في الخارج.
بما إنّ أسد ينفرد بالاعتراف الدولي بوثائقه وقوانينه، يدرك السوريون أن خطوة دفع بدل الخدمة العسكرية، لن تكون الأخيرة في سلسلة إجراءات هدفها إغناء نظام متهالك اقتصادياً ويعتمد بشكل مباشر على أموالهم.