سمر يزبك
العربي الجديد
16 سبتمبر 2024
مسن فلسطيني يهرب من قصف إسرائيلي في مدينة غزة ( 9/10/2023 فرانس برس)
لِنفْتَرضْ أو لِنذْهبْ أَبعَد مِن الافْتراض، أنَّ لِلْفاجعة إِحْداثيَّاتٍ؛ رَسْمًا بَيانِيًّا لِمعالم الخرَاب يَمتَدّ كحبْلٍ مَشدُودٍ على أَوتَاد خَشَبيَّةٍ، أَوّلُها قُرْب بَحْر غَزَّة وثانيهَا فِي مَا تَبقَّى مِن أَطلَالٍ فِي داريّا، هل بِإمْكاننَا تَتبُّع خطِّ اَلنزِيف مِن فَوْق هذَا الحبْل دُون أن نَخشَى السُّقوط فِي الهاوية!
هَكذَا فكَّرْتُ وَأنَا أَتخَيّل المجازات اَلتِي خَيّمَت خَلْف ظِلَال الفاجعة/ الإبادة. فما بَيْن الشَّك والْيقين فِي مَروِية فِعْل الحقيقة يَجدُر بِنَا التَّواضع قليلاً والانْتباهُ إِلى الظِّلَال؛ ظِلَال اللغَةِ وأشباحها، على لِسَان الضَّحايَا هَذِه المرَّة. أَلا يَجِب الآن على اللغَة الانْحناء أَمَام هذَا الحبْل المتوتِّر، المشْدود على أَعنَاق أرْواحنَا والْمتجاوز قُدرَة عقْلنَا البشَريِّ على تَصوُّر تِلْك اللَّعنات اَلتِي حَلَّت عليْنَا! مَاذَا سنفْعل بِكلِّ هَذِه الحكايات الرَّهيبة! وَحدَه الصَّمْتُ من يَستطِيع أن يمْنحَنَا النَّجَاة فِي هَذِه الشُّروط الإنْسانيَّة البائسة؟ إِحالة اللغَة إِلى مُجرَّد فراغَات بَيْن هَذِه الوقائع الدَّمويَّة يُعْطِي دوْرتَنَا الدَّمويَّة فُرصَةً جَيدَة لِتغْذِية القلْب المخْنوق مِن فَواجِعه المتكرِّرة مُنْذ لَحظَة الأمل عام 2011، أليْستْ هَذِه شُرُوط النُّضْج الانْفعاليِّ؟ أَلَا نَذهَبُ جَماعِياً نَحْو الصَّمْتِ لِأنَّ الكلَام هَذِه المرَّة هُو الفضيحة اَلتِي تَكشِف عجْزنَا! نَعم، تُصْبِح اللغَة البشريَّة عَاجِزةً عن مُقَاربَة الأفْعال البشريَّة فِي كثيرٍ مِن الحالات! نَعم، يَستطِيع البشر التَّوَحُّش بِمَا يَتَحدَّى قُدرَة اللغَة على التَّعْبير، وَيصبِح الخرس هُو السبِيل لِلنَّجَاة. لَكِن!
من قال إِنَّنا نُريد النَّجَاة أصْلًا!؟
سَنَواتٌ وسنوَات ونحْن نُحدِّق فِي الفاجعة حَتَّى اسْتحَال الرَّأْس إِلى سَائِلٍ زِئْبقيٍّ رائحَته الكراهية، حَتَّى الغضب لَيْس لَه مِن مَعنًى هُنَا، من يَكتُب الفاجعة لَن يَنجُو، هذَا صحيحٌ. لَكِن مَاذَا تَبقّى لَنَا وأمامنَا سوى أن نَكتُبَ آلامنَا؟
تَستحْضِرُ الكتابة عن الفاجعة تَأمّلَ فراغِ مَا بعْدهَا، آثرتُ اِسْتخْدام هذَا العنْوان المقْتبس مِن الفرنْسيِّ مُوريس بِلانْشو، لِأنَّ أحد تعْريفات مُفرَدَة الفاجعة فِي اللغَة العربيَّة مُرْتَبِطٌ بِمصائب الفقْد التِي لَا تُحيل إِلى شَيْءٍ أَكثَر مِن إِحالاتهَا لِثيمة النُّقْصان التِي أُحَاوِل البحْث فِيهَا لِكتابة سَردِية الإبادة، وَلأَنّ بِلانْشو نَفسَه الذِي يُفرد كِتابًا كاملًا لمُفرَدَة الفاجعة يَقُول: “فِكْرَة اَلفَن الملْتزم غَيْر مُجْدِية، وفاعليَّة الفَن فِي التَّاريخ غَيْر دَالَّة لِأنَّ كِتابة المقَال والسِّيرة والْمذكّرات أَجدَى نفْعًا لِلتَّاريخ مِن كِتابة القصيدة”. ولأنَّ واحدةً من أساسياتِ عملِ بلانشو رغمَ نظريتِه في الكتابةِ الشذريّةِ وفكرةِ الامّحاءِ وعدمِ قولِ أيِّ شيءٍ لقولِ كلِّ شيء، فهو نفسُه من كان يدعُو إلى التوجّهِ نحوَ الغير.
من يَكتُب الفاجعة لَن يَنجُو، هذَا صحيحٌ. لَكِن مَاذَا تَبقّى لَنَا وأمامنَا سوى أن نَكتُبَ آلامنَا؟
مُنذ سَنَوات أُحَاوِل وأفكِّر بِشكل جدِيد مِن إِعادة كِتابة وَتعمِير الحيوات الزَّائلة لِلْبشر والْحَجْر في هذا الزمن العصيب، زمن هدم العالم، كَيْف يُمْكِن إِعادة تَعمِير تِلْك الأمْكنة اَلتِي أتيْنَا مِنهَا عَبْر سَرْدٍ مُخْتَلِف، لَا هُو بِالْأَدب ولَا هُو بِالتَّوْثيق فقط!
يُمْكِن لَنَا عَبْر التَّحْديق فِي الفاجعة الآن وأكْثر مِن أيِّ وَقْت مضى، حَيْث تَكتُبُ الفاجعة الآن عالمَنَا بِطريقةٍ مُختلفَة، تَكتُبها صُوَريًّا وَرقمِياً لِتمْحوهَا من الوجْدان الجمْعِي لِلْبشر ولتحوُّلهَا إِلى مُنْتج اِسْتهْلاكيٍّ عَابِرٍ وَلحظِيٍّ وانْفعاليٍّ، لقد وجدْنَا أَنفُسنا ضَائعِين أَمَام أَهوَال التَّبدُّلات اَلتِي فَرَضتهَا حُرُوب الإبادة على المعاني واللُّغة بَعْد تَدمِير البشر، نَحْن أَبنَاء الحرْب والْفجيعة، لَيسَت الفواجع اَلتِي تَحدَّث عَنهَا بِلانْشو، رغم أنها تلتقي معها في الهدم والبناء، يَقُول بلانشو؛ إِنَّ الفاجعة ورؤْيتهَا فِي أيِّ فِعْل إِنْسانيٍّ يَكمُن فِي تَدمِير مَعْنَاه واسْتنْباط عَالَمٍ آخر مِنْه، فِعْلُ الكتابة فَاجِعةٌ، فِعْلُ القراءة فَاجِعةٌ أيْضًا بِمعْنى مَا، لَكِن لِنحدِّدْ أَكثَر؛ مَا يعْنيه هُو قِيامةُ عَالَمٍ جديد! أسْتخْدمُ الفاجعةَ هنا لِأتحَدَّثَ عن الأهْوال وعن قُدرَة الشَّر البشَريِّ على تَدمِير العالم. وبالمُقابلِ قُدْرتنَا على رُؤيَة لَحظَة التَّدْمير هذه والإحاطة بِهَا ورؤْيتهَا والْعَمل فِيهَا مِن دَاخلِها (دَاخِل الفاجعة / الإبادة) لِدحْضِهَا وروايتهَا بِمعْنى مَا!
أَعُود إِلى التَّشْكيل الهنْدسيِّ لِلْحبْل المشْدود بَيْن غزَّة وداريّا، خطٌّ أُفُقيٌّ يَربُط بَيْن مدنيَّتيْنِ ناقصتيْنِ مِن البشر والْحَجْر، سَوْف أَبحَث فِي فِعْل نُقْصان البشر ونقْصَان الحجْر وهكذَا.. فإِنَّ مَروِية الإبادة تَعتَمِد بِشَكلٍ أَساسِيٍّ على فِعْل النُّقْصان، وَهذَا النُّقْصان شَكْلٌ مِن أَشكَال ثَباتِها وَقوّتِها واكْتمالهَا، بِمعْنى إِبْرازهَا، بِمعْنى اَلقُدرة على التَّواصل مَعهَا، النُّقْصان اَلذِي يَلُوح فِي كُلِّ زَاوِيةٍ مِنهَا، نُقْصان الأجْساد المقطَّعة، نُقْصان قُدْرتِنَا على الرُّؤْية، نُقْصان المشْهديَّة العميقة لِآلام الآخرين، نُقْصان اَللغَة، فالنُّقْصان هُنَا مُتَكامِل، لَا يُمْكِن الكتابة مثلاً عن أَجسَادٍ بَشَريَّة مُقَطّعَة الأطْراف، دُون التَّفْكير بِالْفراغ اَلذِي تركتْه هَذِه الأطْراف فِي وَعْي أصْحابهَا، أو بِالنُّقْصان الذي ستُصاب بِه عُقولنَا مع نُقْصانٍ فَادِحٍ لِلْأجْساد البشريَّة اَلتِي مَا تَزَال تَتَنفَّس! كمَا لَا يُمْكِن التَّفْكير بِه إِلَّا كَمَادَّةٍ أَولِيّةٍ لِمَلء الفرَاغِ وإعادة بِنَاء وَتركِيب مَا تَناثَر مِن هَذِه الأجْساد، وَهذَا أيْضًا مَنُوطٌ بِنَقصٍ فِي اَللغَة نفْسهَا، عِنْدمَا تَعجز عن التَّعْبير وعن تَوصِيف مَا لَا يُمْكِن توْصيفه، وَهُو مَا يَقُود بِالنُّقْصان هُنَا إِلى شَكْل مِن أَشكَال الوحْدة الدَّفينة! كُلّ شَيْءٍ وَنَقيضه يُلوِّحُ واضحًا فِي كِتابة الفاجعة اَلتِي تَأكُل الجنْس البشَريَّ وَالتِي لِمصادفةٍ مَا فِي آلةِ التَّاريخ الشِّرِّيرة، كُنَّا شُهودًا عليْهَا.
مَروِية الإبادة تَعتَمِد بِشَكلٍ أَساسِيٍّ على فِعْل النُّقْصان، وَهذَا النُّقْصان شَكْلٌ مِن أَشكَال ثَباتِها وَقوّتِها واكْتمالهَا
ولأنَّه قُدِّر لِي التَّطَلُّع إِلى مُستَوَى الإحْداثيَّات المرْسومة فَوْق خطِّ اَلجحِيم هذَا الممْدود بَيْن غَزَّة وَدارِيا، فقد فَكرْتُ بِسَرد لَحَظاتٍ مَفصلِيّةٍ مِن ذَواكِر مِن نجَا مِن هَدْم العالم؛ فِي غَزَّة مثلاً، سِلْسلة شهادَاتٍ عن لَحظَة السَّابع مِن أُكتُوبَر؛ سُؤَال البشر عن ذَلِك الزَّمن السَّائل نَحْو الخرَاب بِدايةً مِن تِلْك اللَّحْظة، النَّاجينَ والنَّاجيات مِن فِعْل قَصدِيٍّ وممنْهجٍ فِي الإبادة، سُؤَالٌ مُكرَّرٌ وَفِي تكْراره ثباته وَلَكنَّه مِن جِهةٍ أُخرَى وَفِي الوقْتِ ذَاتِه هُنَاك نَفيُه، بِمعْنى إِعادة خَلقه والتَّأمُّل فِيه لِدحْضه، وَإذَا اِسْتطَعْتُ التَّخْصيص أَكثَر، فَإِن الكتابة عن هَذِه الفواجع، لَا تَتَطلَّب الآن الكتابة التَّخيُّليَّة الإبْداعيَّة بِقَدر مَا تَبحَث فِي الكتابة السَّرْديَّة المباشرة اَلتِي تُحَاوِل لَملمَة أَشلَاء الحقيقة المتناثرة هُنَا وهناك، فَ وفي إِعلَاءٍ مِن الشخْصِي والذَّاتيِّ فِي حِكايَات النَّاجين، بِتحْوِيل قِصص النُّقْصان إِلى سَردِية أَدبِية.
لَيْس عبثًا أن يَكُون التَّعْبير عن الفقدِ والشوق فِي اللغَة الفرنْسيَّة أن يُقَال لِلشَّخْص الآخر: أَنْت تَنقُصني، tu me manques. أَنْت تَنقُصني لَأكْتَمل أنَا بِطريقة مَا! لَيْس عبثًا نُقْصان جسد غَيَّاث مطر اِبْن مَدِينَة داريّا مِن أعْضائه وسرقتهَا قَبْل إِشهَار جُثَّته المشوَّهة لِلْعلن، وليْس عبثًا نُقْصان جسد لَمَى الآغَا اِبْنَة مَدِينَة غَزَّة مِن ساقهَا اَلتِي دُفنَت جَانِب جُثَّة أَخَويهَا!
إِنَّ اِسْتخْدام مُفرَدَة الفاجعة الملْتبسة فِي مُحَاولَةٍ لِتذْويبهَا وتدْويرهَا وإعادة سكْبهَا فِي مُفرَدَة الإبادة ضَرورِيٌ رُبمَا لِإعادة إِكمَال النُّقْصان بِمعْنى إِعادة كِتابة أحد وُجُوه الحقيقة، إِذ إِنِّي وبعْد سنة 2011 فَقدَت شَغفِي بِكتابة وُجهات النَّظر، (غالباً) وصرْتُ أَتطَلعُ بِشَغفٍ لِفعْل البحْث عن الحقيقة والانْشغال أَكثَر بِمحاولة التَّعَرُّف على وُجوهِهَا وَلذَلِك أَجدنِي مُهْتمَّةً بِهَذا الشَّكْل المخْتلف مِن السَّرْد، رغْم أنَّ سُؤَال الحقيقة مَا يَزَال مَشغُولاً بِإعادة تَركِيب ذَلِك النُّقْصان المتفشِّي فِي حَيَوات أُولئك الضَّحايَا الَّذين يَترُكون لَنَا – نَحْن الأحْياء – فراغًا، لنضيع فيه أو لِننْظر فِيه وَفِي قِيمة نُقْصانهم وَفِي ظُلْم مَا يَقترِفه الجنْس البشَريُّ مِن شُرُور وَمِن فُنُونٍ فِي إِعادة بِنَاء طُوفانه اَلعظِيم، بِحَيث إِن لَم تَتَوقَّف خُطُوط الفاجعة هَذِه عن الامْتداد نَحْو إِحْداثيَّاتٍ جَدِيدَة، فلن يَكُون هُنَاك مَجَالٌ لِلتَّفْكير فِي المسْتقْبل، بِأنَّ سَفِينَة نُوحٍ أُخرَى سَيكُون بِمقْدورهَا أن تَمخُر اَلعُباب مِن جديد.
بِالْمعْنى المباشر لِكتابة الفاجعة اَلتِي تُوَاجِه سُؤَال النُّقْصان نَفتَرِض أنَّ سِيَاق مَا حصل فِي سُورية وفلسْطين هُو جُزْءٌ مِن النَّظر إِلى حَيَوات بشرٍ ضِمْن اِكتِمال فجيعتهم، وَهِي فِي طَريقِها لِلْمحْو، وَهُو سُؤَالٌ لَا يَتَعلَّق فقط بِالتَّاريخ أو التَّوْثيق لِمعْرِفة تَناوُب أَدوَار اَلضحِية والْجلَّاد واسْتجْلاب العدالة، هذَا سُؤَال صَعْبٌ آخر، لَكنَّه جُزْء مِمَّا أُحَاوِل التَّفْكير فِيه.
نَكتُب نُقْصان أَنفسِنا وَعَار العالم الخارجيِّ مِن حوْلنَا، نحَاوِل إِعادةَ بِنَاءِ العالم الزَّائل عَبْر الكلمات، وَفِي دَرْب الجحِيم هذَا، لَا نَكُونُ أَكثَر مِن أَشبَاحٍ تَتَحرَّكُ فِي ظِلَال نُقْصانهم. نُقْصان أُولئك المعذَّبين
أَتحَدثُ هُنَا عن تَجرِبة الحبْل المشْدود بَيْن مدينَتيْ غَزَّة وَدارِيّا كمثال، وَفِي إِعادة إِكمَال بِنَاء المدينتيْنِ عَبْر حِكاية ناسهَا، وَعبر السُّؤَال الأساسيّ لِلْعلاقة مع فِكْرَة العدالة، وحقّ البشر بِالْعَيْش الْحرِّ اَلكرِيم والْمتساوي، هُنَا قد أَقُول: نُقطَة اِنتهَى! مَاذَا يُمْكِن القوْل أَكثَر! سؤال كِتابة النُّقْصان / الفاجعة هُو سُؤَال يَبدُو مَمجُوجًا الآن، فَهؤُلاء البشر مَا يزالون تَحْت فِعْل “الفاجعة” مُصطَلَحٌ جَبَانٌ قِياسًا بِحقيقةٍ مُعلَنَةٍ تَجرِي علنًا، إِذ يَجِب أن أَقُول: إِبادة، فِعْلٌ نَرَاه بِأعْيننَا ولَا نَحْتاج لِلتَّأَمُّل أو التَّفلْسف لِلْبحْث فِي كَلمَة الفاجعة أو لِلْبحْث عن مُبررَات لِماذَا نَكتُب الفاجعة، أو لِماذَا نَقتَرِب مِن هَذِه الجحِيم؟ لِماذَا تَحرُقنا الكلمات عِنْدمَا نُحَاوِل اِسْتخْدامهَا ضِدَّ اَلشَّر؟ أو كَيْف يُمْكِن التَّفْكير بِإعادة إِحيَاء آلام الآخرين فِي مُحَاولَةٍ لِمَنع تكْرارهَا؟ أو كَيْف يُمْكِن التَّفْكير بِمسْتقْبل الفاجعة حِين لَا تَكتَمِل حَيَوات البشر النَّاقصة – فِعْلًا وقوْلًا – إِلَّا بِالتَّفْكير بِالْعدالة لَهُم وإعادة رَسْم آثارِهم؟ نَفعَلُ ذَلِك رُبمَا بِإعادة إِحيَاء ذواكرهم مِمَّا يجْعلهم عصيّيْن عن التَّكَدُّس فِي لُعبَة عدِّ الأرْقام، وفِي مُحَاولَة اِنتِشال إِنْسانيَّتهم مِن عَمَليَّة التشييء التِي تصْنعهَا ماكينات الإعْلام الاسْتهْلاكيِّ اَلسرِيع، نُحَاوِل ذَلِك عَبْر تَحوِيل رِواية كُلِّ ذات مِنْهم إِلى بِنَاء شَاهِق، كَحَياة إِنْسانيَّة جَدِيرَة بِأن تَكُون بلدًا كاملًا، الذَّاكرة الجمْعيَّة هِي – بِاخْتصار – حِكايَته وحكايتهَا وحكايتي وحكايتك أَنْت. ذاتٌ وَاحِدةٌ هِي العالم كُلّه! أو ربما نَحْن نَكتُب نُقْصان الآخرين لِنكْتب كَمَالَ فِكْرتِنَا عن العدالة، هَذِا أحد جَوانِب الحقيقة. نَكتُب نُقْصان أَنفسِنا وَعَار العالم الخارجيِّ مِن حوْلنَا، نحَاوِل إِعادةَ بِنَاءِ العالم الزَّائل عَبْر الكلمات، وَفِي دَرْب الجحِيم هذَا، لَا نَكُونُ أَكثَر مِن أَشبَاحٍ تَتَحرَّكُ فِي ظِلَال نُقْصانهم. نُقْصان أُولئك المعذَّبين!