د. مخلص الصيادي
ما أشبه اليوم بذلك الأمس، وإذ لم تنفع نصيحة “لقيط بن يعمر الإيادي” قومه، وينتبهوا لخطورة ما كان لهم، فلست أدري إن كانت نصيحة ناصح – في هذا العصر -، مهما كانت معرفته، ومهما بلغ إخلاصه، بنافع قوما لا يرى أولوا الأمر فيهم، إلا ما تحت أقدامهم، وتقصر أبصارهم، وبصائرهم عن رؤية ذلك الخطر المدلهم الذي يحيط بهم وبأوطانهم وشعوبهم، من كل جانب، والذي إذا تمكن منهم فلن يبقي حجرا على حجر، ولن يبقي للخير أثر، وسيعمل على اجتثاث جذور القوة ومخايل الخير في هذه الأمة.
هذه قصيدة “لقيط” يحذر قومه وينصح لهم، ويكشف أمامهم ما يحاك لهم، لكن قومه ما كانوا يحبوا الناصحين، وما أفاقوا إلا والسيوف تعمل فيهم من كل جانب، ولم يعد لهم من مخرج. ولا أمامهم من مهرب.
وقد أعذر من أنذر.
يقول لقيط:
يا قوم لا تأمنوا إن كنتمُ غُيرًا على نسائكم كسرى وماجمَعا.
أَبْلِغْ إِيادًا، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا.
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُ شَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا.
أَلاَ تَخافُونَ قَوْمًا لا أَبَا لَكُمُ أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سرَعا.
في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم لا يَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا.
مالِي أَراكُمْ نِيامًا في بُلَهْنِيَةٍ وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا.
صُونُوا جِيادَكُمُ، واجْلُوا سُيُوفَكُمُ وجَدِّدُوا للقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا.
قُومُوا قِيامًا على أَمْشاطِ أَرْجُلِكُمْ ثُمَّ افْزَعُوا قد يَنالُ الأَمْرَ مَن فَزِعا.
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمُ، للّهِ دَرُّكُمُ رَحْبَ الذِّراعِ، بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا.
ما انْفَكَّ يَحْلُبُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ يكُونُ مُتَّبَعًا يومًا ومُتَّبِعا.
لقَدْ بذلتُ لكمْ نُصحي بِلا دَخَلٍ فاسْتَيْقِظُوا إِنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا