موقع درج
محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني
20 ، 03 ، 2024
“نعيش أياماً لا يعلمها إلا الله مع استمرار وجود والدي تحت الركام وعدم نجاحنا في إخراجه، فالحزن يسيطر علينا بشكل مستمر”.
لا يتوقف الخمسيني زهير معروف عن نشر صورة ابنه المفقود منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي عمر (21 عاماً)، أمام المستشفيات وفي الأسواق والأماكن المزدحمة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، آملًا بإيجاد معلومات عنه.
لم يفقد معروف الأمل بالعثور على ابنه عمر، متخصّص في الهندسة الميكانيكية، فُقد أثره والاتصال معه خلال تنقّله من دير البلح وسط قطاع غزة إلى مدينة رفح يوم 7 كانون الثاني الماضي.
اختبر معروف حياة الفقد مرتين، الأولى كانت حين فقد ابنه الشاب محمد خلال رحلة الهجرة من بحر مدينة الإسكندرية المصرية إلى أوروبا في عام 2014. منذ تلك اللحظة إلى الآن، لم يعرف بعد مصيره سواء كان ميتاً أو حياً.
يقول معروف حزيناً: “نعيش أياماً لا يعلمها إلا الله منذ اليوم الأول لفقدان ابني عمر، الشاب الجميل الذي يحب الحياة والعيش بسلام بعيداً من العنف والحرب”. يضيف معروف النازح برفقة عائلته من مدينة غزة إلى دير البلح، أن ابنه عمر ذهب لزيارة خالته في مدينة رفح، وفي طريق عودته انقطع الاتصال به ولم يعد يستجيب لاتصالاتهم.
بدأ معروف مهمة صعبة للبحث عن ابنه المهندس عمر، في ظل حرب مدمرة على قطاع غزة، وقصف جوي وبحري وبري لا يتوقف ويطاول كل شيء، إذ يواجه صعوبات ومعوقات كبيرة في الحصول على أي معلومات تدلّل على وجود ابنه، سواء كان حياً أو ميتاً، أبرزها عدم وجود قاعدة بيانات في المستشفيات، وتوقف شبكة الاتصالات المحلية بين فترة وأخرى، وصعوبة التواصل، واستمرار القصف الإسرائيلي.
لم يتوقف معروف عن طرق أبواب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمؤسسات الدولية التي لا تزال تعمل في قطاع غزة، وتقديم بيانات وصورة ابنه عمر لهم، ولكن جهوده لم تنجح بعد في الحصول على أي معلومات حول مصيره. وإلى الآن، تعيش عائلة عمر حياة الفقد والحزن وعدم الاستقرار لعدم وجود خبر حول مصير ابنهم، بخاصة أنه المفقود الثاني لها.
لا شيء سوى الصور
رفعت السيدة شريفة حمدان صورة ابنها المفقود، محمد، أمام مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، ورفعتها أيضاً أمام المارة طالبة منهم النظر إليها، لعل أحدهم يقدّم أي معلومات حوله سواء كان ميتاً أو معتقلاً لدى الجيش الإسرائيلي.
وألصقت حمدان أيضاً صورة ابنها على جدران المستشفى مع رقم جوالها، مناشدة من هم هناك لتقديم أي خبر حول محمد، وتهدئة النار المشتعلة في قلبها مع استمرار غيابه.
تقول حمدان: “نزحنا من شمال قطاع غزة إلى الجنوب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بطلب من الجيش الإسرائيلي، وخلال مرورنا عند الحاجز الذي وضعه الجنود عند جنوب مدينة غزة، اختفى ابني هناك”.
تضيف: “خرجت برفقة زوجتي وابنتي من دون محمد، وانتظرت لأكثر من 8 ساعات، ولكن مع حلول الظلام أصبحت المنطقة خطيرة، فقررنا استمرار الطريق باتجاه مدينة خان يونس جنوب القطاع”.
وصلت حمدان إلى خان يونس من دون ابنها، لتبدأ بمهمة صعبة وغير مألوفة عليها، وهي البحث عن ابنها ومعرفة إن كان الجيش الإسرائيلي اعتقله أم أطلق النار عليه، أو نجح في اجتياز الحاجز والوصول إلى مكان ما في جنوب قطاع غزة.
لم تنجح جهود حمدان في الحصول على أي معلومات حول ابنها ومعرفة مصيره، وهو ما جعلها تعيش مع عائلتها بآمال معلّقة حول محمد، بخاصة مع عدم وجود أي إجابات من جهات دولية ورسمية محلية داخل قطاع غزة حول المفقودين.
البحث عن الجثامين
غرب مدينة خان يونس، ينبش أحمد أبو شمالة ركام منزله الذي دمرته طائرة حربية إسرائيلية، في محاولة منه لإخراج جثمان والده الذي دُفن تحت المنزل منذ أكثر من شهرين على القصف.
يقول أبو شمالة: “قُتل نتيجة القصف أكثر من 52 شخصاً، ولكن لم تفلح جهود الدفاع المدني في إخراج والدي من تحت الأنقاض، ما يجعلنا نبحث بأيدينا لإخراجه ودفنه وإكرامه كباقي موتى المسلمين”.
يوضح أبو شمالة أن معدات الدفاع المدني في خان يونس ضعيفة جداً، وهي عبارة عن سيارة إطفاء قديمة، وأدوات حفر يدوية قديمة جداً، لا تنجح بالوصول إلى من هم تحت كميات كبيرة من الركام.
ويوضح: “نعيش أياماً لا يعلمها إلا الله مع استمرار وجود والدي تحت الركام وعدم نجاحنا في إخراجه، فالحزن يسيطر علينا بشكل مستمر، ونريد إكرام الوالد والصلاة عليه ودفنه بشكل يليق له، على رغم معرفته أن جثّته تحللت الآن بشكل كامل بسبب طوال مدة مكوثها أسفل المنزل المهدم”.
غياب التعاون
المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة رائد النمس، أكد أن المنظمة الإنسانية تصلها بشكل يومي مناشدات من عائلات للتبليغ عن أبنائهم المفقودين سواء تحت الأنقاض أو في أماكن الاعتقال.
وقال النمس: “وفقاً لمصادر رسمية، يوجد 8500 شخص مفقود تحت الأنقاض في أماكن مختلفة في قطاع غزة لا توجد أي أخبار حولهم، إضافة إلى عدد آخر لم يُعرف مصيرهم بعد”. وأوضح أن منظمة الهلال الأحمر فقدت 14 شخصاً من موظفيها خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي مقرّها في مدينة خان يونس.
أبرز معوقات الحصول على معلومات حول المفقودين، هو عدم وجود تعاون بين الهلال الأحمر والجيش الإسرائيلي، إضافة إلى قوة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وأشار إلى أن الهلال الأحمر يقدم خدمات تتعلق بالصحة والدعم النفسي والإغاثة، وملف المفقودين هو أمر استثنائي للمنظمة إذ لم تمرّ عليها أعداد للمفقودين كالأرقام الحالية.
بدوره، أكد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن هناك أكثر من 8 أشخاص مفقودين تحت أنقاض المنازل التي هدمها جيش الاحتلال على رؤوس ساكنيها. كذلك، أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي المنظمة المسؤولة عن ملف المفقودين، الى أنها تتلقى اتصالات كثيرة من الأهالي في غزة للتبليغ عن فقد أبنائهم أو اعتقالهم. فيما أشارت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، الى أن المؤسسات الحقوقية تواجه صعوبة في الوصول إلى المواطنين المفقودين. وأضافت أن مصلحة السجون الإسرائيلية لا توفر معلومات عن أماكن احتجاز المفقودين، إذ ما زال المحامون ممنوعين من زيارة المحتجزين في معسكرات “عناتوت”، وهو معسكر للجيش بالقرب من مدينة القدس، ومعسكر وسديه تيمان، ما يمنع الاطلاع على ظروف الاحتجاز والتحقق من وجود المفقودين في هذه المعسكرات.