إبراهيم حميدي
آخر تحديث 18 يونيو 2023
وصلت إلى القاهرة “هدية” من دمشق، بعد جهود الأولى في دفع مسيرة التطبيع العربي مع الثانية، في وقت بعثت فيه موسكو إلى دمشق وأنقرة “خريطة” ترسم ملامح التطبيع التركي مع العاصمة السورية. ما “الهدية” وما “الخريطة”؟
مسار التطبيع العربي مع دمشق بات معروفا. لقاءات وزيارات واتصالات تبلورت بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية بمدينة جدة يوم 19 مايو/أيار الماضي، بعد قرار مجلس الجامعة العربية استئناف الحكومة السورية لنشاطاتها المجمدة منذ نهاية 2011.
وقد بني هذا المسار العربي على “بيان عمّان”، العاصمة الأردنية، وقرار مجلس الجامعة في القاهرة، وتضمن عناصر كثيرة، بينها التعاون في مكافحة المخدرات والإرهاب وعودة اللاجئين والنازحين والمساعدات الإنسانية والعمل على حل سياسي بموجب القرار الدولي 2254 وعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، التي تضم الأطياف السورية، برعاية أممية.
تخضع اشتراكات الرسائل الإخبارية الخاصة بك لقواعد الخصوصية والشروط الخاصة بـ “المجلة”.
وصل القطار إلى بند سياسي في “الخريطة العربية”، يتعلق بعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية المجمدة منذ أشهر بسبب رفض موسكو استضافة جنيف لهذه الاجتماعات على خلفية موقف سويسرا من حرب أوكرانيا، بالتوازي مع جهود عربية لعقد اجتماع اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة تنفيذ بنود “بيان عمّان” وقرار الجامعة العربية.
هنا، طرح خيار استضافة القاهرة اجتماعات اللجنة الدستورية. المفاجأة الأولى، كانت بتبلغ موسكو عبر السفير السوري بشار الجعفري عدم موافقة دمشق على عقد اللجنة في العاصمة المصرية. المفاجأة الثانية المعززة، كانت بتأكيد وزارة الخارجية السورية هذا القرار للجانب المصري. السبب هو “وعد” سوري لسلطنة عُمان بعقد اللجنة عندها.
“هدية” دمشق تحمل الكثير من المعاني إزاء نظرتها إلى التطبيع العربي وأولوياته و”الخريطة العربية” المولودة في عمّان، وتمسكها (دمشق) بدعم موسكو، برفع الغطاء الأممي عن المسار الدستوري
هذه “الهدية” تحمل الكثير من المعاني إزاء نظرة دمشق إلى التطبيع العربي وأولوياته و”خريطة الطريق” المرجعية المولودة في عمّان، وتمسك الجانب السوري بدعم روسي، برفع الغطاء الأممي عن المسار الدستوري الذي انطلق بالأصل ليكون مدخلا لتنفيذ القرار الدولي 2254.
يضاف إلى ذلك، تزامن هذا مع مسار ثان تتجدد الدماء فيه يوم الاثنين. هو “المسار الرباعي” للتطبيع بين سوريا وتركيا بحضور روسي وإيراني؛ إذ تعقد اجتماعات آستانة اليوم جولة جديدة من اللقاءات بعد استراحة طويلة، على أن يعقد نواب وزراء خارجية الدول الأربع لقاء سياسيا يبحث “خريطة طريق” روسية بدعم إيراني، للتطبيع السوري– التركي.
معروف أن دمشق تعطي أولوية للانسحاب التركي من الأراضي السورية، أو وضع جدول زمني أو إعلان بيان إزاء ذلك، إضافة إلى توقف أنقرة عن دعم الفصائل السورية المعارضة. ومعلوم أن الأسد رفض لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية التركية في مايو/أيار كي يترك ضغط ملفي اللاجئين والأكراد السوريين عليه في صندوق الاقتراع. لكن الأسد وافق على تلبية طلب الرئيس فلاديمير بوتين عقد لقاء بين وزيري الخارجية السوري والتركي بحضور نظيريهما الروسي والإيراني في موسكو.
بين حسابات الأسد وأردوغان، هناك خطط بوتين المتمسك بدفع التطبيع مع دمشق، سواء كان تركياً أو عربياً، اذ وضع مستشاروه “خريطة” للتقارب بين دمشق وأنقرة
معلوم أيضا، أن أنقرة أعلنت بوضوح رفضها الانسحاب العسكري من سوريا قبل حصول “تسوية شاملة” وزوال تهديدات الأمن القومي التركي من شمال سوريا سواء من الإرهاب أو من “حزب العمال الكردستاني”، بل إن مسؤولين في أنقرة قالوا إن قواتهم لن تنسحب حتى لو انسحب الأميركيون والقوات الأجنبية الأخرى. ومعروف أن أردوغان لم يعد في عجلة للقاء الأسد بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وبين حسابات الأسد وأردوغان، هناك حسابات بوتين المتمسك بدفع التطبيع مع دمشق، سواء كان تركياً أو عربياً. وفي هذا السياق، وضع الجانب الروسي “خريطة طريق” للتطبيع سلمت إلى العواصم المعنية عشية اجتماعات آستانة، الاثنين والثلاثاء، تتضمن عناصر كثيرة تخص التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وترتيبات فتح شرايين وطرق اقتصادية حيوية شمالي سوريا، إضافة إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية وعمل السفارة التركية في دمشق المجمّد منذ 2012 (القنصلية السورية في إسطنبول لم تتوقف عن العمل).
بين “الهدية” السورية، و”الخريطة” الروسية، يستمر التداخل والتسابق بين مساري التطبيع، في سياق رياح تصالحية في المنطقة
بين “الهدية” السورية للقاهرة، و”الخريطة الروسية” لدمشق وأنقرة، يستمر التداخل والتسابق بين مساري التطبيع العربي والتركي، في سياق رياح تصالحية تهب على منطقتنا بالمعنى الواسع، بأمصارها وحساباتها، عنوانها الرئيس: تطبيع إقليمي في عالم متغير وخطر، فتح النوافذ في خرائط تُرسم فيها حدود جديدة وجدران متحركة.