نورالدين عقيل
يصادف اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني عام ٢٠٢٢ م الذكرى الخامسة بعد المائة عام لوعد بلفور المشؤوم
كان يهود العالم قد عقدوا مؤتمرهم الصهيوني العام الاول في مدينة بازل بسويسرا عام ١٨٩٧ م ، واعلنوا في هذا المؤتمر عن قيام الحركة الصهيونية العالمية ، كما قرروا بعد ذلك في مؤتمرهم الثاني على إقامة وطن قومي يهودي يجمع يهود العالم المنتشرين في اصقاع الأرض وذلك على أرض فلسطين ، ثم أخذوا يسعون لدى الدولة العثمانية للسماح بالهجرة اليهودية الى فلسطين ، ولكنهم فشلوا في بادى الامر ، وقد سبق مشروعهم هذا مشروعا لدى المستعمرين الأوروبيين بإنشاء كيان غريب في قلب الوطن العربي يكون تابعا لهم وأداة بيدهم ، وخاصة بعد حفر قناة السويس واكتشاف النفط في الوطن العربي وتنازع الدول الاستعمارية فيما بينها على مناطق النفوذ وتقاسم تركة الامبراطورية العثمانية التي وصفت حينها بالرجل المريض ، فالتقت هذه التوجهات مع مصالح الحركة الصهيونية آنذاك . وقبل أن تضع الحرب العالمية الأولى اوزارها ويتقاسم الحلفاء المنتصرون بريطانيا وفرنسا وحلفائهما تركة الامبراطورية العثمانية ، سارع وزير الخارجية البريطانية ( اللورد بلفور ) في ٢ تشرين الثاني من عام ١٩١٧م الى توجيه رسالة الى المصرفي البريطاني واحد زعماء اليهود في انكلترا ( البارون روتشيلد ) ، هذه الرسالة التي تعرف بوعد بلفور والتي تعبر عن تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وكانت هذه الرسالة تتويجا لسنوات عديدة من الاتصالات والمفاوضات بين الساسة البريطانيين وزعماء الحركة الصهيونية في اوروبا ، وقد جرى سابقا لقاء بين حاييم وايزمن زعيم الحركة الصهيونية وبين بلفور وتناولت موضوع إقامة وطن لليهود في فلسطين يخدم مصالح بريطانيا لا حقا في الوطن العربي . ونص رسالة بلفور لروتشيلد جاءت على الصيغة التالية :
٢ / تشرين الثاني / ١٩١٧
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني ان ابلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك بالتصريح التالي الذي يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التي تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها :
( إن حكومة الجلالة تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية ، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي الى الإنتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين او من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى او يؤثر على وضعهم السياسي ، سأكون ممتنا لك إذا ما احطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا البيان )
المخلص
آرثر بلفور
وطلب اللورد بلفور من روتشيلد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في بريطانيا وايرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة .
ورغم ان هذه الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين ، لكنها ادت دورا اساسيا في إقامة دولة إسرائيل بعد ٣١ عاما من تاريخ الرسالة أي في عام ١٩٤٨ م .
كما ساهمت الرسالة في تشجيع يهود القارة الاوروبية على الهجرة الى فلسطين خلال الفترة مابين الحربين العالميتين الأولى والثانية في وقت كانت فيه القاره تشهد صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية ( اليهود ) .
اما بالنسبة للأسباب التي دفعت بريطانيا الى إصدار هذا الوعد فهناك أكثر من تفسير لذلك اهمها ان بريطانيا أرادت الحصول على دعم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الاولى لما تتمتع به من نفوذ واسع هناك لدفع الولايات المتحدة للإشتراك بالحرب الى جانب الحلفاء ضد ألمانيا والدولة العثمانية ، وأيضا ان من مصلحة بريطانيا زرع كيان غريب في قلب الوطن العربي وخاصة في فلسطين ليكون حليفا لها ولضمان سيطرتها على قناة السويس من جهة والبترول العربي بعد اكتشافه من جهة اخرى ، وأيضا ليكون هذا الكيان الغريب جدارا فاصلا بين طرفي الوطن العربي الآسيوي والافريقي وفصل بلاد الشام نهائيا عن مصر ، وهناك تفسير آخر وهو الاعتقاد بأن كتاب العهد القديم ( التوراة اليهودية ) يضمن حق بني اسرائيل في أرض فلسطين زورا وبهتانا .
والسؤال الآن هو : هل يحق لمن لا يملك أن يعطي لمن لا يستحق ؟
وهل بريطانيا تملك أرص فلسطين حتى تمنحها لأفاقي العالم من اليهود الصهاينة ؟
نعم بالرغم من ان الرسالة لاتتضمن كلمة ( دولة ) بل تتحدث عن وطن وتؤكد على عدم المساس او القيام بأي شيء يمكن أن يمس الحقوق المدنية او الدينية للجماعات الاخرى التي تعيش في فلسطين وتعني العرب المسلمون والمسيحيون ، ولكن هذه الرسالة كانت اكبر كارثة تعرض لها الوطن العربي في القرن العشرين لأنها كانت السبب في قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية والسبب أيضا في الصراع العربي الصهيوني والذي لن ينتهي إلا بعودة الحق الى إصحابه .