رامي منصور – عرب 48
18/06/2025
قد ينحصر التدخل الأميركي باستهداف المشروع النووي وتحديدًا منشأة فوردو، ولكن قد ينجرّ ترامب خلف إسرائيل ويراهن على إسقاط النظام باستهداف المنشآت النفطية والاقتصادية…
يتفوّق الأميركيون مرة أخرى على العرب. انتخبوا رئيسًا أكثر تفوّقًا على “جنون” معمر القذافي، وصبره أقلّ من صبره.
في الوثائق المنشورة مؤخرًا عن محادثات جمال عبد الناصر والقذافي من آب/ أغسطس 1970، يقول الأخير لعبد الناصر إنه بلا وحدة ولا تحرير فإنه سيعتزل العالم. “طالما لا فيه وحدة ولا تحرير أنا من بكره هننعزل عن العالم”، قال حرفيًا وفق محضر اللقاء. ويكرّر مرة ثانية أمام عبد الناصر أنه “إذا كان ما فيش وحدة ولا تحرير، والله العظيم ماني قاعد في وسط الناس أبدًا”، فيرد عبد الناصر عليه: “إنت لسه بقالك 8 أشهر!”، أي أنه مرّت ثمانية أشهر فقط على تولّيه الحكم في ليبيا وصار يائسًا ويريد اعتزال الناس والعالم.
وترامب ينفد صبره سريعًا أو يشعر بالملل، وقال إنه سئم من مماطلة الإيرانيين في المفاوضات، فستون يومًا من المفاوضات على برنامج نووي لدولة إقليمية بالنسبة إليه مماطلة.
كذلك الحال مع الحوثيين، أعلن حربًا عليهم وبعد نحو ستين يومًا قرّر التوصّل إلى اتفاق معهم، ونفد صبره من الخسائر المالية الأميركية الكبيرة من هذه الحرب. سارع إلى اتفاق مع الحوثيين و”تخلّى عن إسرائيل”، إذ لم يشمل الاتفاق وقف الحوثيين هجماتهم الصاروخية على إسرائيل.
وماذا لو تورّط في حرب مع إيران، كيف سيطول أو يقصر صبره؟
يغريه بنيامين نتنياهو أن الأرضية مجهّزة في إيران لحرب سريعة عليها وتدمير مشروعها النووي وإعلان ترامب للنصر.
لكن ماذا لو صمد الإيرانيون في وجه الاعتداءات الأميركية وقرّروا حرب استنزاف ضد المصالح الأميركية في المنطقة لأشهر؟
وحتى لو اكتفى ترامب بعملية أميركية محددة لتدمير منشأة فوردو النووية، فإن ليس بمقدوره تحديد مدة الرد الإيراني، فمن الممكن أن تورّطه إيران في مواجهة طويلة لا يتحمّلها صبر ترامب.
فمن المحتمل أن تسارع إيران إلى إنهاء المواجهة، لكن من المحتمل أيضًا أن تدخل في عقلية “انتحارية” إذا ما شعر حكّامها بأنهم تعرّضوا للإهانة والمذلّة أكثر مما تسمح طاقاتهم وبراغماتيتهم. ويعرضهم ترامب حاليًا للإهانة بأن يطالبهم بالاستسلام علانية، ويهدد بقتل خامنئي.
أما الحديث عن صبر إيران واستراتيجية “خنق إسرائيل بالقطنة” من خلال تطويقها بحزام ناري، فقد تمكّنت إسرائيل من إشعال النيران بهذه “القطنة” وصولًا إلى إيران.
من صبر القذافي وترامب إلى الصبر الإيراني، تجرّ إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في المنطقة، تعرف كيف تدخلها، ولكن لا تعرف كيف تخرج منها، خصوصًا إذا ما شعر الرئيس بالملل ونفد صبره.
كما خاب أمل الكثيرين في منطقتنا من الصبر الإيراني اللامتناهي وما نتج عنه، كما تبيّن في الأيام الأخيرة، من انكشاف وضعف جوي ودفاعي، بات الأمل بعدم التدخل الأميركي مباشرة في الحرب يتعلّق بقلّة صبر ترامب.
يختلف التدخّل الأميركي إن حصل هذه المرّة، وصولًا لمحاولة إسقاط الحكم في طهران، بأن النظام الإيراني ليس حكم سلالة أسرية، كما حصل في العراق مثلًا، أو ليبيا القذافي، أو سقوط بشار الأسد في سورية مؤخرًا، فالحكم الإيراني يعتبر نفسه حركة ثورية، ولها امتداد شعبي داخلي من عشرات الملايين، بالإضافة إلى ملايين أخرى في المنطقة.
فالنظام الإيراني قام على عقيدة مذهبية راسخة في المنطقة عمومًا وغير محصورة في إيران، حتى لو لم تشارك هذه القواعد الخارجية حتى الساعة في مواجهة العدوان على إيران.
قد ينحصر التدخل الأميركي باستهداف المشروع النووي وتحديدًا منشأة فوردو، ولكن قد ينجرّ ترامب خلف إسرائيل ويراهن على إسقاط النظام باستهداف المنشآت النفطية والاقتصادية، فربما يعتقد أن ضرب النفط الإيراني يسرّع من سقوط النظام، وكذلك يقطع إمدادات النفط عن الصين.
لكن نهاية الحرب أو التدخّل لن تقف عند هذا الحد؛ فقد يكتفي ترامب كما ذُكر باستهداف فوردو وتمتص إيران الضربة، أو قد تقرّر الاستنزاف. فعلى الرغم من الضربة القاسية التي تلقّتها إيران وتضرّر صورتها بسبب الاختراقات الأمنية والانكشاف أمام إسرائيل، إلا أن بمقدورها فتح مواجهة تستنزف أميركا في المنطقة. فمرّة أخرى، ليس الحديث عن استهداف نظام حكم أسري، بل عن نظام عقائدي جهادي له امتداد شعبي واسع في المنطقة، لن ينتهي بانتهاء حكمه.