ابراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
24 – فبراير – 2023
نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا للباحث في دائرة دراسات الدفاع بكلية كينغز كوليج، أندرياس كريغ، تساءل فيه عن سبب حاجة القيادة الإماراتية لشبكة الرئيس فلاديمير بوتين. وقال فيه إنه ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، واجهت ملكيات الخليج خيار تخفيض علاقاتها مع روسيا أو مواجهة عقوبات محتملة في الحرب، التي تراها معظم دول الخليج بعيدة عنها.
وأصبحت أبوظبي ودبي المركز الرئيسي للشبكات المالية والاقتصادية والجيواستراتيجية الروسية. وحاولت أبوظبي استخدام هذه الشبكات بوضع نفسها كوسيط في أوكرانيا في وقت زاد فيه قلق صناع القرار في واشنطن ولندن وبروكسل من تحول الإمارات إلى قناة لموسكو. لكن وبعيدا عن المخاطر قصيرة الأمد لتنفير شركائها الغربيين، فإن نهج أبوظبي المتمحور حول بناء شبكات تجاه روسيا هو تعبير عن نهج جديد وطريقة إبداعية في إعادة تشكيل الحكم.
نهج أبوظبي المتمحور حول بناء شبكات تجاه روسيا هو تعبير عن نهج جديد وطريقة إبداعية في إعادة تشكيل الحكم
تخيل أنك ملك أو شيخ في الخليج وتعتبر في كل المعايير بلدا صغيرا (من ناحية المساحة والسكان والناتج المحلي العام). وأكثر من هذا، تخيل بأنك واقع بين دول تعتبر بالمعايير العامة أكبر منك، فكيف تؤمن نجاة وازدهار بلدك؟ يقتضي ذلك نهجا غير تقليدي لإعادة هندسة القوة الوطنية والتأثير. وفي العالم المترابط بشكل كبير والمتمحور حول بناء الشبكات، ظهرت وسائل لخلق السلطة. فلم تعد العلاقات الدولية تتشكل عبر نشاطات الدول ولكن من خلال تدفق المعلومات والناس ورأس المال، لذا وسعت الإمارات من الحكم خارج إطار البيروقراطية المحدودة للدولة. وأُعيد تشكيل استراتيجية “فن خلق السلطة” في أبوظبي منذ وصول محمد بن زايد وإخوانه إلى الحكم، الذين يعرفون ببني فاطمة من العائلة الحاكمة في أبوظبي، إذ قاموا ببناء السلطة عبر تفويض الحكم لشبكات من الوكلاء والوسطاء لتعزيز خفة ومدى سيطرتهم على دائرتهم الداخلية. وسمح لهم ذلك بإعادة تشكيل السلطة عبر شبكات تأثير عامة وخاصة وشبه خاصة، والتي تضم الأفراد والمنظمات والشركات ودوائر النخبة. ويسمح الحكم الميال لشبكات بني فاطمة بالاستفادة من الشبكات الدولية وربط عقدها مباشرة وبطريقة غير مباشرة لمركز سلطتهم في أبوظبي. ولعب شقيقا محمد بن زايد، طحنون ومنصور، دورا في إعادة توجيه تدفق المعلومات والناس ورأس المال إلى شواطئ الخليج. وكانت روسيا هدفا لجهود بناء الشبكات التي قام بها هؤلاء، وأيضا المال الروسي كان يبحث عن ملجأ بعد قرار موسكو غزو أوكرانيا.
أُعيد تشكيل استراتيجية “فن خلق السلطة” في أبوظبي منذ وصول محمد بن زايد وإخوانه إلى الحكم، إذ قاموا ببناء السلطة عبر تفويض الحكم لشبكات من الوكلاء والوسطاء لتعزيز خفة ومدى سيطرتهم على دائرتهم الداخلية
ومثل إدارة الحكم في الإمارات، فقد فوض الرئيس فلاديمير بوتين الحكم لمجموعة من الأفراد والمنظمات الموثوقة وربطها بمركز السلطة في الكرملين. وليس غريبا اندماج الشبكات الروسية- الإماراتية بسرعة كبيرة خلال السنوات الماضية.
وخصص منصور وطحنون وبشكل نشط عددا من المحركات التابعة لهما في أبوظبي لخلق فرص من أجل بناء الشبكات. وبعيدا عن عقد السلطة الواضحة في الإمارات مثل شركة النفط الوطنية، فقد منحت عدة محركات مصرفية للمقربين من الكرملين منفذا للأسواق المالية العالمية بعدما فرض الغرب عقوبات على روسيا.
ويملك حوالي 38 رجل أعمال ومسؤولا مقربا من بوتين 76 عقارا في دبي تصل قيمتها إلى 314 مليون دولار، ومن بينهم ألكسندر بورداي، الزعيم الانفصالي الروسي السابق في إقليم دونيتسك الأوكراني، ورسلان بايزروف، واحد من أثرى أثرياء روسيا والممول لرمضان قديروف، زعيم الشيشان، وهو نفسه من أصدقاء محمد بن زايد.
يملك حوالي 38 رجل أعمال ومسؤولا مقربا من بوتين 76 عقارا في دبي تصل قيمتها إلى 314 مليون دولار
وإلى جانب السماح للمقربين من السلطة في الكرملين باستثمار أموالهم في المباني، منح منصور بن زايد، الذي يترأس المصرف المركزي الإماراتي، البنوك الروسية رخصا في الإمارات بشكل فتح لها قنوات جديدة لتدفق المال من روسيا إلى الإمارات.
وعملت الإمبراطورية التجارية شبه الخاصة لطحنون بن زايد، والتي تدار من تكنوقراط موثوقين جنبا إلى جنب مع شبكات منصور بن زايد، على توثيق شبكات تجارية واقتصادية مع روسيا. وسهلت هذه الإمبراطورية، قبل الحرب، منفذا للأعمال الروسية في السوق.
وواحدة من الحالات هنا هي مجموعة فاغنر، الدولة داخل الدولة والتي تضم شبكة من شركات مختلفة تعمل بعيدا عن نشاطات المرتزقة في أفريقيا وأوكرانيا، في مجال التنقيب عن المعادن الثمينة والملاحة البحرية. وواحدة من شركات مجموعة فاغنر هي “كراتول أفييشين”، ومقرها الإمارات والتي تعمل بموافقة تكتيكية من بني فاطمة. وتساعد “كراتول فاغنر” على شحن الأسلحة والعناصر إلى أفريقيا. وفي الوقت نفسه، أظهرت التقارير الاستخباراتية الأمريكية أن فاغنر استخدمت شبكات مالية في الإمارات لتمويل عملياتها. وأكثر من هذا، ففاغنر التي دفعت من أجل الحصول على تنازلات في مجال التنقيب بالسودان، استخدمت، حسب ما قيل، الإمارات ومركزها الدولي في تجارة الذهب العالمية واستبدلت فيه الذهب المستخرج بطريقة غير مشروعة بعملة صعبة.
والسؤال هو عما يحصل عليه أبناء فاطمة بالمقابل؟ لقد أصبحت أبوظبي مركزا لا يمكن الاستغناء عنه في الشبكات الدولية الواسعة للمحركين والناقلين والمحولين. وبالنسبة لقوة كبيرة مثل روسيا، فقد أصبح هذا البلد الصغير بوابة حيوية لها إلى أفريقيا والشرق الأوسط، وملجأ ماليا آمنا يمكن من خلاله احتفاظ نظام بوتين بمنفذ على الأسواق العالمية.
أصبحت الإمارات بوابة حيوية لروسيا إلى أفريقيا والشرق الأوسط، وملجأ ماليا آمنا يمكن من خلاله احتفاظ نظام بوتين بمنفذ على الأسواق العالمية
وتخلق الشبكات هذه تبعية يمكن للإمارات استخدامها للتأثير. فهي لا تربط أبناء فاطمة بروسيا فقط ولكنها تجعل الشبكات الإماراتية جذابة أكثر للقوى العظمى الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة. وفي عالم متعدد الأقطاب، تستخدم الإمارات التأثير الذي كسبته للمقايضة والسمسرة لمصالح أبناء فاطمة أولا، وبشكل عام مصالح الأمن القومي الإماراتي. وتعطي الشبكات طرقا، وأكثر من هذا سرية للحكم، الذي حول أبوظبي من دولة صغيرة مسالمة ومعتمدة بشكل واضح على الولايات المتحدة إلى لاعب حازم على المسرح الإقليمي، وتحتاج القوى العظمى للتعامل معه، أحبت ذلك أم لا.