المحامي محمد علي صايغ
منذ ما قبل الاستقلال نشأت الدولة السورية عبر اتفاقية سايكس بيكو، ومع الاستقلال تواكبت على حكم سورية رموز أقليات وطنية كانت نتاجا من نتاجات فعل الانتداب الفرنسي الذي رحل بعد أن خلف حاضنة عسكرية مؤهلة وقادرة على حكم البلاد لعقود طويلة. وبقصد أو بدون قصد لم يتم تسليط الضوء على دور سلطة الانتداب الفرنسي في بناء وترسيخ الكيان الجديد للدولة السورية. إذ عمدت سلطة الانتداب الى حماية الأقليات الطائفية أو الإثنية وثبتت وجودها كفاعل محوري في مفاصل بنية سلطة الدولة. وتأسيسا على ذلك فقد لجأ الفرنسيون الى إنشاء فرق نظامية تم تدريبها وتسليحها لتأتمر بهم عبر ما سمي ” قوى الشرق الخاصة ” قوامها البشري من الأقليات على تنوعها في مواجهة الأكثرية , واستخدامها عسكريا لقمع انتفاضات الأكثرية، وتكريساً لاستمرار الدولة الجديدة . لتتمظهر في المراحل اللاحقة – بعد الاستقلال – بشخصيات وزعامات عسكرية خطفت السلطة السياسية عن طريق الانقلابات مثل حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وفوزي سلو من ذوي الأصول الكردية، والضباط الآخرين من الأقليات الأخرى التي تنوعت أدوارهم ومراكزهم، وصعودهم وهبوطهم على سلم السلطة من تاريخ إعلان الاستقلال وحتى اليوم .
وخلال الفترة الممتدة من يوم الاستقلال وحتى الآن – واستثناءاً نسبياً الفترة القصيرة بعد الاستقلال – عاش الشعب السوري في ظل الاستبداد والاستغلال والظلم من سلطات استئثارية صادرت السلطة والثروة معا، وأمعنت في انتهاك الحريات على مدى عقود، ولم تفرق تلك السلطات بين الأكثرية والأقلية، بل وربما كانت معاناة الأكثرية من الظلم والقهر والاضطهاد أشد وأكبر. إذ لا معنى لما تروجه بعض الأقليات عن الحيف والظلم عليها، فكلنا في الهم سواء.
تلك مقدمة لا بد منها للولوج في ميثاق العقد الاجتماعي الصادر عن القوى الكردية في سورية بتاريخ 21 / 1 / 2014 الذي يطرح وينشئ مركزا قانونيا جديدا لأكراد سورية تحت مظلة الإدارة الذاتية الديمقراطية .
وقبل البدء بمناقشة هذا الميثاق , لابد من الوقوف على تعريف العقد الاجتماعي والإدارة الذاتية. فالعقد الاجتماعي مفهوم يتجه إلى إيجاد معادلة موضوعية بين الحاكم والمحكوم, ووضع إطار لتنظيم العلاقة بينهما، وصولا الى إقامة مجتمع منظم وفق قواعد ثابتة. أما “الإدارة الذاتية” كمفهوم: فهي مفهوم غير واضح، ومصطلح لا يوجد له مدلول قانوني في القانون الدولي, إذ لا يوجد في القانون الدولي مسمى الإدارة الذاتية. ويعتبر لدى بعض المنشئين لهذا المصطلح نوع من الادارة المحلية ضمن قانون الادارة المحلية للسلطة المركزية في الدولة. كما أن مفهوم الادارة الذاتية الديمقراطية مفهوم غامض ومبهم حتى لدى الاحزاب الكردية السورية التي أعلنت عن العقد الاجتماعي.
ويعتبر الدارسين الأكراد أو الذين صاغوا العقد الاجتماعي بأن الادارة الذاتية الديمقراطية حلا للمجتمعات ذات التنوع القومي والطائفي كمرحلة انتقالية الى المجتمع الديمقراطي والذي يمكن من خلاله أن تصبح فرصة استقلالية الأمم وحتى تكوين الدولة القومية خيار مجتمعي تفاهمي وتوافقي .
ومن استعراض وتوضيح تعريف مفاهيم العقد الاجتماعي والإدارة الذاتية … فإننا نبدي حول ميثاق العقد الاجتماعي الذي أعلنته “الادارة الذاتية” الملاحظات التالية :
- “دستور الدولة” يعتبر مجموعة القواعد الاساسية التي تنظم العلاقة بين مختلف سلطات الدولة وتحدد اختصاصاتها وطرق ممارستها للصلاحيات المخولة إياها وتحديد آليات عملها، وتحديد الحقوق والواجبات للمواطنين وكيفية الوصول إليها وتنفيذها مع ضمانات حماية هذه الحقوق والحريات. وتبعا لذلك فإن ميثاق العقد الاجتماعي في حقيقته دستور يتضمن كافة قواعد ومستلزمات دستور أية دولة مستقلة. بينما العقد الاجتماعي لا يعدو أكثر من مفاهيم تقود إلى إيجاد معادلة موضوعية بين الحاكم والمحكوم وتنظم العلاقة بينهما وصولا الى مجتمع منظم. ويبدو أن ما لجأت القوى الكردية الى طرحه باسم ميثاق العقد الاجتماعي هو لعدم نضج الظروف السياسية والموضوعية لطرحه كدستور، لما قد يثير من إشكالات محلية وإقليمية ودولية. ولكن مجمل نصوص الميثاق تشير بوضوح الى مشروع تأسيس دولة بكافة أركانها وشروطها
- الدولة هي النظام المسؤول عن حماية الحقوق الفردية والجماعية. وللدولة ثلاثة أركان: الأرض ( الاقليم ) – الشعب – السلطة.
وتعتبر السيادة من أهم صفات السلطة، ووجود الإقليم والشعب ليس كافيا لسيادة الدولة لقيام أركان وجودها وتواجدها. والسلطة السياسية هي الهيئة الحاكمة التي تضمن سلامة الدولة واستقرارها وأمانها وقدرتها على سن القوانين التي تحترم المواطنين بما يحقق العدالة والمساواة. في حين أن ميثاق العقد الاجتماعي وإن قرر في المقدمة باحترام الحدود السورية وإن مقاطعات الادارة الذاتية جزء من سوريا جغرافيا واتفاق مكونات مجتمع الادارة الذاتية الديمقراطية مع إرادة بقية مكونات الشعب السوري لتكون الادارة الذاتية ضمن سورية التعددية الديمقراطية كنظام سياسي وإداري للمجتمع. فإن هذا الميثاق يجسد كياناً جديداً لمشروع دولة يستند الى دستور يحدد لكيان الادارة الذاتية مجلسها التشريعي والتنفيذي ومفوضية للانتخابات ومحكمة دستورية عليا ومجالس محلية , بدون تحديد أية آليات وحدود وشكل العلاقة التي تربط الحكم الذاتي بالدولة السورية أو بالحكومة المركزية.
وكل ما جاء فيه بالنسبة للحكومة المركزية في المادة / 91 / بأنه في حال التنازع بين قوانين الادارة الذاتية وقوانين الادارة المركزية تنظر في ذلك المحكمة الدستورية العليا للمقاطعة ويطبق القانون الأصلح للإدارة الذاتية. وهذه المادة وغيرها تعطي السيادة المطلقة لحكومة الادارة الذاتية ضمن مقاطعاتها, ولا توجد أية سيادة فعلية للإدارة المركزية للدولة السورية مادام لا يسري عليها قوانين الادارة المركزية التي تأخذ بالاعتبار مصالح عموم مواطني الدولة.
- جاء في المادة /3 / آ : سورية دولة حرة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة ونظامها برلماني إتحادي ديمقراطي تعددي توافقي . كما جاء في المادة / 12 / الادارة الذاتية الديمقراطية في سورية جزءاً من سورية المستقبل التي يجب أن تتأسس على نظام الادارة اللامركزية السياسية باعتبار النظام الاتحادي هو النظام الأمثل لسوريا.
وقبل مناقشة هذا النص الوارد في ميثاق العقد الاجتماعي علينا التعرف على طبيعة النظام الاتحادي وأشكاله. وهناك نوعين من النظام الاتحادي المعتمد دوليا:
– الاتحاد الكونفدرالي: وهو اتفاق يتم بين دولتين أو أكثر في مجالات متعددة مع احتفاظ كل دولة بسيادتها واستقلالها. فالدول المنضوية تحت الاتحاد لا تفقد شخصيتها ولا يترتب على الكونفدرالية قيام شخصية دولية جديدة في الساحة الدولية. ويعتبر مواطني كل دولة من دول الاتحاد أجانب بالنسبة للدولة الأخرى. ولكل دولة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويمكن لكل دولة الانسحاب من الاتحاد.
– الاتحاد الفيدرالي: هو اندماج مجموعة من الدول أو الولايات في دولة واحدة بحيث تفقد هذه الدولة أو الولايات شخصيتها, ولا يصبح لها سيادة مستقلة. وتصبح دولة الاتحاد ذات السلطة الأعلى على الولايات المكونة لها , وتكون مسؤولة عن كافة الشؤون الخارجية وبعضاً مهماً من الشؤون الداخلية التي تديرها حكومات محلية تعمل تحت إشراف حكومة مركزية واحدة لدولة الاتحاد.
وبالرغم من نص ميثاق العقد الاجتماعي على أن سورية تتأسس على النظام الاتحادي فإنه لم يحدد أيا من النظامين الاتحاديين هو المعتمد. كما أن الادارة الذاتية الديمقراطية لا تتقاطع مع أي نوع من أنواع النظام الاتحادي. وحتى الحكومة المحلية التي يمكن أن تتواجد في إطار الحكومة المركزية في الاتحاد , فإن الحكومة المحلية أو الحكم المحلي وفقا لصلاحياتها المعروفة ومجالات عملها ودورها أقل وأدنى من مفهوم الادارة الذاتية الديمقراطية الواسع الذي يتبنونه. ذلك لان الادارة الذاتية وفق ورودها في الميثاق اوسع واشمل من الحكم المحلي. ومع ذلك فقد تعددت رؤى الاحزاب الكردية للإدارة الذاتية حيث أن “حزب يكيتي” يعتبرها نوع من الفيدرالية تيمناً بكردستان العراق , بينما “الحزب الديمقراطي التقدمي” يعتبرها نوع من الادارة المحلية ضمن قانون الادارة المحلية السوري، في حين “حزب الوحدة” يعتبرها نوع من الادارة اللامركزية التي تعتمد على إدارة المناطق الكردية من الشعب الكردي ولو كانوا ذوي أكثرية عربية لأن القضية قضية شعب وأرض.
وحيث ان كلا النظامين الاتحاديين ( الفيدرالي والكونفدرالي ) لا ينطبق على المعايير التي أرادوا إحداثها في الادارة الذاتية الديمقراطية، فإنهم أخذوا من كلا النظامين الاتحاديين بما يساعدهم على إنجاز استقلال ضمن إطار الوحدة المؤقت، فهم أخذوا من الكونفدرالية ملامح شخصية دولة جديدة لها قوات ردعها وشرطتها ووحدات دفاعها المشروع ومجالس تشريعية وتنفيذية وقضائية ومحاكم دستورية ومجالس لسن التشريع و القوانين والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وإعلان الحرب والسلم ومنح العفو العام والخاص .. واعتمدوا شعار وعلم ونشيد خاص ( مادة 11 ) وحتى قسماً ترتبط مفرداته بالإدارة الذاتية والدفاع عنها دون إدخال أي التزام تجاه الدولة السورية وقوانينها وسلطتها، ودون أية اشارة الى الالتزام بصيانة وحدة الأراضي السورية والدفاع عنها ( مادة 88 ) . وبالمقابل أيضا أخذوا من الفيدرالية جزئيا مبدأ وجود سلطة مركزية أعلى ضمن إطار الدولة السورية التي هم جزء منها , لكن إدارتهم الذاتية لا تعترف كما في الاتحادات الفيدرالية بأن للاتحاد سلطة أعلى على الولايات المكونة لها، ولا يعترفون بتبعية الحكومات المحلية لإشراف الحكومة المركزية لدولة الاتحاد، وهم يؤكدون في نصوص ميثاقهم ومن خلال تفاصيل مواده على الشخصية المستقلة للإدارة الذاتية مدعومة بمواد متعددة تكفل لها السيادة كالحماية الذاتية والدفاع المشروع عن سلامة أراضي المقاطعات وسيادتها الإقليمية وإعلان الحرب والسلم وإعلان حالة الطوارئ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول … الخ
- لقد حدد ميثاق العقد الاجتماعي في مقدمته بأن مكونات الادارة الذاتية الديمقراطية من كرد وعرب وسريان وأرمن وشيشان وغيرهم اتفقوا وعلى اساس قاعدة الوحدة في التنوع بأن تكون مناطق الادارة الذاتية الديمقراطية ضمن سوريا التعددية الديمقراطية. وفي المادة / 3 / بأن مقاطعات الادارة الذاتية الديمقراطية تشمل كل من: الجزيرة , كوباني , عفرين . وبأن مدينة قامشلو هي مركز الادارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة. وفي المادة / 9 / بان اللغات الرسمية في مقاطعة الجزيرة هي: الكردية والعربية والسريانية. ( فقط مقاطعة الجزيرة ).
إن تقرير ميثاق العقد الاجتماعي انضمام كل المكونات التي حددها في إطار الادارة الذاتية الديمقراطية بدون أخذ رأي أيا من تلك المكونات هو عملية قسرية غير ديمقراطية، وهي بمثابة مصادرة موقف تلك الأطراف، وفرض لأمر واقع تم تحديده بناء على أوهام تاريخية أو تمدد جغرافي , واستغلالاً للوضع الهش في الدولة السورية ضمن ظروف الازمة الراهنة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو:
من فوض تلك القوى الكردية على اعتبار كافة الإثنيات والقوميات الأخرى ضمن الحدود التي فرضوها فرضاً، وعلى أي اساس افترضوا ان تلك القوميات قابلة وموافقة على الادارة الذاتية الديمقراطية التي يتحركون إليها ويؤسسون لها.
- لقد فرض الحراك الشعبي السوري أشكالا من التحالفات بين القوى الكردية والمجالس والهيئات التي تشكلت على خلفية الحراك الشعبي. إلا أن هذه التحالفات إذا لم تتضمن أسس ومحددات تضمن سلامة وحدة الأراضي السورية والوصول الى الدولة الديمقراطية المدنية التعددية بمشاركة كافة الأطياف والاثنيات والأقليات , فإنها تبقى مهددة بالانفراط.
ويشكل ميثاق العقد الاجتماعي المطروح من القوى الكردية خروجا واضحا عن القواعد والمحددات التي ينبغي أن تبقى خطاً أحمراً لكل من يخرج عنها. إذ لا يجوز لأي طرف ضمن أي تحالف أن يتصرف أو يعلن أو يتبنى أو يؤسس لما يخالف تلك الأسس والقواعد. وإلا فانه يضع نفسه خارج هذا التحالف أو ذاك، بقرار فعلي أو ضمني منه.
وإذا كان ليس من مصلحة أحد تشتيت المعارضة وشرذمتها، كما ليس من المصلحة خروج القوى الكردية بعيداً عن تلك التحالفات , فإن الحوار المستمر معهم ضرورة لتثبيت قواعد ومرتكزات هذه التحالفات في إطار الدولة السورية الواحدة الموحدة التي لا تهمل حقوق الأقليات، وتؤمن بانعتاق كافة أفراد المجتمع من الاستبداد والاستغلال والسيطرة. ولذلك ينبغي الوصول مع القوى الكردية الى مشتركات تتضمن تعديلاً أو إلغاءً لعدد من المواد المرتبطة بميثاق العقد الاجتماعي وتحديد واضح لشكل العلاقة مع الحكومة المركزية للدولة الديمقراطية المنشودة. وإن إصرار تلك القوى الكردية على المضي بعيدا في تبني ميثاق العقد الاجتماعي فإنهم يضعون أنفسهم خارج تلك التحالفات وليس تلك التحالفات تضعهم خارجها.
وأخيرا لابد من القول بأن حق تقرير مصير الأكراد في سورية مرتبط بحق تقرير مصير مشروع الأغلبية في سورية, وبأنه عندما تنجز الأغلبية مشروعها في الدولة / الأمة، فإن من حق الأكراد أن يقرروا مصيرهم إما بالبقاء في الدولة / الأمة متمتعين بكافة الحقوق والواجبات كمواطنين متساوين، أو تقرير مصيرهم بإرادتهم الحرة. إذ كيف يمكن لمن لم يتقرر مصيره بعد، أن يضمن تقرير مصير أحد مكوناته أو أن يوافق على مشروع انفصاله عنه وتفكيك الدولة السورية ؟؟؟
هذا التحليل للعقد الاجتماعي السابق الذي صدر عن الإدارة الذاتية بتاريخ 21 / 1 / 2014
وبالمقارنة مع التعديل الجديد الذي أصدرته الإدارة الذاتية مؤخراً يمكن وضع الملاحظات التالية :
١- العقد الاجتماعي السابق كان شبه دستور أو يعطي ملامح دستور لكنه بالتأكيد لم يكن دستور ، أما العقد الاجتماعي المعدل فهو دستور بكافة أركانه ، له مقدمة ( الديباجة ) ، ومبادئ أساسية ، والحقوق والحريات ، والمؤسسات المختلفة بما فيها مجالس شعب ومجلس تشريعي ومؤسسات أخرى عديدة ، ثم أحكام انتقالية …
٢- في العقد الاجتماعي السابق كان الاسم : الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سورية ، لتصبح في العقد الاجتماعي الحالي : إقليم شمال وشرق سورية
٣- في العقد الاجتماعي السابق كان يحتوي على ثلاثة أقاليم : عفرين ، وجزء من الجزيرة ، والقامشلي بينما في العقد الحالي يتكون الإقليم من سبعة مقاطعات : الجزيرة، دير الزور، الرقة، الفرات، منبج، عفرين و الشهباء ، والطبقة .
٤- في العقد الاجتماعي المعدل يصرون على أنهم ( شعوب ) شمال وشرق سورية ، ويزعمون أنهم متفقون أو متوافقون مع بقية الأقليات المختلفة ضمن الإقليم ، ثم يؤكدون على : نحن شعوب شمال وشرق سورية قررنا أن نكتب من منظومة القيم والارث الحضاري الديمقراطي للشرق الأوسط والإنسانية جمعاء هذا العقد الاجتماعي ..
أي أنهم ينفون بشكل واضح الوجود العربي أو منظومات القيم والإرث الحضاري العربي أو الإسلامي، ويؤكدون استنادهم فقط إلى منظومة الشرق الأوسط والإنسانية جمعاء.
٥- في العقد الاجتماعي السابق لم يحددوا بشكل واضح شكل الإدارة أو الحكم وانما قالوا باللامركزية الديمقراطية ، بينما في العقد الحالي حددوا بوضوح أن الحكم كونفدرالي ، وكما أشرت في التحليل السابق فإن الاتحاد الكونفدرالي يعني: اتفاق يتم بين دولتين أو أكثر في مجالات متعددة مع احتفاظ كل دولة بسيادتها واستقلالها. فالدول المنضوية تحت الاتحاد لا تفقد شخصيتها الاعتبارية ويترتب على الكونفدرالية قيام شخصية دولية جديدة في الساحة الدولية ( إذا لم تكن لها شخصية دولية سابقا أي قبل تأسيس الاتحاد الكونفدرالي ). ويعتبر مواطني كل دولة من دول الاتحاد أجانب بالنسبة للدولة الأخرى. ولكل دولة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويمكن لكل دولة الانسحاب من الاتحاد.
٦- في العقد الاجتماعي الحالي هناك حشر لمفهومين، الإقليم في شمال وشرق ، وبين الإدارة الذاتية، ويستخدمون كلا المصطلحين وكأنهما مسمى واحد رغم التعديل إلى ( إقليم شمال وشرق ) ، فهم يقولون مثلا بأن كل اللغات متساوية في الإقليم، بينما يقولون بأن الإدارة الذاتية لها علمها وشعارها الخاص الذي ينظم بقانون. وهذا العلم والشعار الخاص ينسجم مع مفهوم الكونفيدرالية.
٧- في العقد الاجتماعي الحالي يعتمد على مبدأ ( التوافق ) في القرارات التي تمس المكونات .. وبالتالي لا يصدر أي قرار أو حتى قانون داخل الإقليم أو على مستوى الدولة السورية إلا بالتوافق، بما يعني بالمحصلة عدم الوصول إلى قانون أو قرار ( أي كما يجري بلبنان بما يعرف الثلث المعطل )
وهم بالمقابل داخل الإقليم فإن للمكونات يكون تمثيلها حسب ديمغرافية المقاطعات ( أي حسب التشكيل السكاني لمكون ما وثقله وحجمه )
٨- يعتبرون الدفاع عن الإدارة الذاتية حق وواجب تجاه أي خطر داخلي او خارجي ( بينما في الاتحاد الفيدرالي مثلا يكون رد الأخطار الخارجية والداخلية المحدقه بالاتحاد من صلاحيات المركز وليس لأي إقليم من الأقاليم ) . كما ينص العقد الاجتماعي على أن تحرير الأراضي المحتلة وعودة أهلها إلى مناطقها مسؤولية الإدارة الذاتية (طبعا المقصود هنا عفرين ) . أي ليس من مسؤولية الدولة السورية في حال قيام الفيدرالية ( لا سمح الله )
٩- الغريب في العقد الاجتماعي الحالي وجود نص خاص بالديانة الأيزيدية وحمايتها والحفاظ عليها دون بقية الديانات ؟؟؟؟
١٠- هناك مؤسسات متعددة وكثيرة في العقد الاجتماعي الحالي ومحدد لكل منها صلاحياته، ومن ضمن المؤسسات: قوات حماية المجتمع ، وقوات سورية الديمقراطية (الجيش)، ووحدات حماية المرأة ، وجهاز المخابرات الوطني، وقوات الأمن الداخلي، وهناك أيضا مكتب خاص للنقد والمدفوعات المركزي وغيرها …
والجيش والمخابرات الوطنية والنقد الوطني لا تكون إلا من اختصاص مركز الاتحاد في الاتحاد الفيدرالي أو في اللامركزية الإدارية السياسية، وإنما ينسجم ذلك مع تبنيهم شكل حكم الاتحاد الكونفدرالي ..
١٢- لا يتحدث العقد الاجتماعي المعدل عن العلاقة التي تربط الإدارة الذاتية أو إقليم شمال وشرق سورية مع بقية الأقاليم أو مع مركز الاتحاد الكونفدرالي ، ولكنه أشار بنص عام واحد وهو: يحدَّد شكل العلاقة في جمهورية سوريا الديمقراطية فيما بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا مع المركز والمناطق الأخرى على جميع المستويات وفق دستور ديمقراطي توافقي.
وكما أشرنا سابقا فإن أي قرار أو قانون يحتاج لموافقة الثلث المعطل وهو إقليم شمال وشرق سورية.
١٣- وأخيرا ينص العقد الاجتماعي الحالي في المادة 233 على أن هذا : العقد الاجتماعي قابل للتعديل في حال تم التوافق على دستور ديمقراطي في سوريا.
أي أن تعديل العقد الاجتماعي له حالة تعديل واحدة فقط وهي إذا تم (التوافق ) على الدستور السوري العام .
١٤- وختاما ، فإن هذا العقد الاجتماعي جاءت صياغته من قبل مجلس سورية الديمقراطية ومن ورائها قوات سورية الديمقراطية بدون وجود أو إشراك لبقية القوى الكردية ، ولا حتى إشراك المكونات الأخرى العربية أو السريانية أو الآشورية وغيرها ..، وهم يعملون على فرضه بالقوة وبسلطة الأمر الواقع المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الغربي .