علي محمد فخرو – كاتب بحريني
“القدس العربي”:
الخميس , 11 أبريل , 2024
فلسطينيون في موقع غارة إسرائيلية على رفح
يقتل الكيان الصهيوني سبعة من متطوّعي المطبخ الدولي الخيرية، فتقوم دنيا الغرب ولا تقعد، وهذا ما يجب أن يتم، استنكاراً لحدوث تلك الجريمة البشعة. ولكن يقتل هذا الكيان يومياً عبر ستة أشهر عشرات الأطفال ومئات النساء والشباب من الشعب الفلسطيني، موتاً تحت أنقاض الدمار العمراني الهائل الهمجي، أو جوعاً أو مرضاً بسبب شحّ الأدوية المسموح بدخولها أو بسبب التدمير الممنهج لمؤسسات الرعاية الصحية في غزّة، فلا يسمع الإنسان إلا مناشدات غربية باهته متلعثمة تناشد الكيان الصهيوني بأن يأخذ احتياطات أكبر لحماية المدنيين. كان رد سلطات تل أبيب حاسماً، ففي الحال قدمت أشد الاعتذار والأسف، وكونت لجنة تحقيق وحاسبت واحداً من عساكرها الكبار كأول خطوة، بينما لم تعبأ بالقيام بخطوات مماثلة طيلة ستة أشهر من القتل والإبادة ومن ارتكاب أفظع المجازر في غزّة وسائر أرض فلسطين.
والسبب في تباين الموقفين الصهيونيين واضح: فوراء السبعة المتطوعين تقف أمم تحترم نفسها وحكومات تعرف أن هناك رأياً عاماً سيحاسبها، إن هي أظهرت اللامبالاة أو الضعف حتى تجاه الاعتداء على فرد واحد من مواطنيها. هذا بينما تعرف سلطات تل أبيب جيداً أن الصورة ستكون مختلفة عند سلطات الساحات العربية، التي لن يحاسبها رأي عام مشتت ومسيطر عليه، وستكون ردة الفعل من قبل الأمة ضعيفة، بعد أن أصبحت عبر تاريخ طويل من الاستبداد غير قادرة على ممارسة قيم الإباء والشّمم واحترام الذات. لسنا هنا مطالبين بأن نكون من الذين يمارسون جلد الذات أمام المآسي المخزية، ولا من الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال، كما تفعل النعامة هرباً من تحمل مسؤولية المواجهة.
ضرورة مناقشة سبل الخروج من الوضع العربي البائس والوضع الدولي الخطر المتلاعب به من قوى الشر، وقلة الإحساس بحق الناس الآخرين في العيش الكريم والكرامة الإنسانية
نحن فقط نصرخ هنا بصوت عال مليء بالحسرة والألم، بأنه ما عاد من الممكن، تحت أي من المبرّرات والضحك على الذقون، قبول سكون اللامبالاة الذي تعيشه هذه الأمة مؤخراً، الذي أصبح مليئاً بالظلمة الأخلاقية والعجز المخجل، وكل أنواع أصوات قهقهة كل العالم عندما يسمع كلمة إنسان عربي، أو بلد عربي، أو حتى إنجاز واحد عربي. لنقارن تلك القهقهات من السخرية والشعور بالشفقة، بما كنا نسمعه في العالم كله من احترام وإعجاب لكل ما هو عربي ولكل عربي إبان المد القومي الكبير الشجاع المبدع، في الخمسينيات من القرن الماضي. وفي هذه الحالة المخزية المخجلة المثيرة للشفقة: متى ستتطهّر النفوس والضمائر، وتشتد العزائم، وتقوى الإرادات السياسية، ويتحمل الذين يتربعون على كراسي القيادة مسؤولياتهم التاريخية الصادقة، ويلبسون لباس الشجاعة البطولية، ويضعون أيديهم في أيادي بعضهم بعضا، ويواجهون الموقف كإخوة في العروبة والدين والمصير المشترك؟ نحن نقترح على أقطار مجلس التعاون الخليجي، الذين أنعم الله عليهم بالرزق وآمنهم من جوع، وحماهم حتى الآن من جحافل البرابرة وجنون الإرهاب الممنهج، أن يتباحثوا في الأمر ويتقدّموا بمقترح مشترك، إن أمكن، أو بمقترح من مجموعة منهم إن استدعت ذلك الضرورة، لإخوتهم في الجامعة العربية لتكوين لجنة من قبل مؤسسة الجامعة العربية، أو من قبل إحدى لجانها الرسمية، يتمثل فيها مفكر أو محلل سياسي أو خبير سياسي واحد أو أكثر من كل قطر عربي لوضع تصور استراتيجي يقدم لاجتماع قمة عربية طارئ، تبحث فيه فقط تلك الاستراتيجية ومسيرة تنفيذها. لا يمكن هنا الدخول في أية تفاصيل، فهي كثيرة ومتشابكة، ولكنها قابلة للفعل إن حسنت الإرادات، وتوقف العبث الحالي. وإذا ما أقرت تلك الاستراتيجية نعتقد بضرورة الانتقال بعد ذلك لإشراك منظمة التعاون الإسلامي من أجل تكوين جبهة عربية ـ إسلامية مماثلة لجبهة عدم الانحياز في الخمسينيات من القرن الماضي، من أجل أن تلعب دوراً في خروج العالم كله من وضع هيمنة وسيطرة هذه الدولة الكبرى، أو تلك الكتلة الاستعمارية الجشعة، ومن أجل التعاون مع الكتل العالمية الجديدة الراغبة في خلق عالم جديد بقيم وعلاقات إنسانية تبادلية جديدة. ليس المهم أن يناقش هذا التصور أو يؤخذ به، ولكن المهم أن تناقش سبل الخروج من هذا الوضع العربي البائس ومن هذا الوضع الدولي الخطر المتلاعب به من قوى الشر والجشع وقلة الإحساس بحق الناس الآخرين في العيش الكريم والكرامة الإنسانية.
لن يغفر التاريخ لمؤسسات وقادة وشعوب هذه الأمة إن لم يتوقفوا عن لعب دور التفرج المشين الذي يمارسونه الآن. وأي عيد فطر يمكن أن نحتفل به ونحن في حالة العار الذي سمحنا لخير أمة أن تواجهه.