٢٢ / ٥ / ٢٠٢٤
د. مخلص الصيادي
الصمود المذهل للمقاومة الفلسطينية في غزة، وقدرة المجاهدين على ايقاع خسائر مستمرة في صفوف قوات العدو، وعجز هذه القوات عن تحقيق أي تقدم أو انجاز أي هدف أعلنت عنه منذ بدء عدوانها على غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” الإبداعية، وحجم الجرائم التي ارتكبها هذا العدو من اليوم الأول لعدوانه، والتي صنفت باعتبارها جرائم حرب، وجرائم إبادة…
كل ذلك أحدث زلزالا في صورة الحركة الصهيونية والكيان الاسرائيلي، وهز بعنف كل المسلمات التي كانت راسخة في الضمير الجمعي للمجتمعات الغربية على خلفية أسطورة “العداء للسامية”
وظهرت الصهيونية وكيانها عارين بكل البشاعة والعنصرية والاجرام المغلغلة في بنيتهما وتكوينهما والأشكال المختلفة لتجلياتهما.
وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قبول دولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية بأغلبية كاسحة – وهو القرار الذي عطله في مجلس الأمن الفيتو الأمريكي- كأول أثر رسمي من آثار الزلزال الذي أصاب الصهيونية وكيانها، إذ أن وقوف دول العالم إلا الشواذ منها مع دولة فلسطين مؤشر لا يستهان به.
وقدمت التحركات الطلابية التي شهدتها الجامعات الأمريكية على مختلف مستوياتها، وكذلك الجامعات الأوربية مؤشرا عالي المستوى والدلالة على انزياح الهيمنة والتأثير الصهيوني عن واحدة من أهم مراكز ومواقع التأثير في خارطة االمجتمعات الغربية.
ثم جاء اعلان ثلاث دول أوربية اعترافها بدولة٧ فلسطين ليشكل ذلك ضربة في الصميم للمشروع الصهيوني المتجسد في هذا الكيان، والقائم في أصله وجذره على انكار وجود الآخر الفلسطيني “شعبا وأرضا وتاريخا، وانتماء”، والتطلع إلى مد حدود الاحتلال والسيطرة إلى كل المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل، في إطار السيطرة التامة على “جغرافية”الوطن العربي، وعلى دوره هذا الوطن ومكانته الطبيعية.
الاعتراف الغربي بوجود الشعب الفلسطيني، وبوجود الدولة الفلسطيني، لا يعني موقفا غربيا معاديا للكيان الصهيوني الراهن، لكنه بالتأكيد يعني موقفا معارضا للغرض الحقيقي من وجود هذا الكيان، ورفضت مهما للموقف الصهيوني / الاسرائيلي من وجود الشعب الفلسطيني ووجود الأرض الفلسطينية.
وأن تعترف الدول الأوربية الثلاث (النرويج، اسبانيا. ايرلندا) بالدولة الفسطينية. وهي أعضاء في الاتحاد الأوربي يعني أننا مقدمون على اعتراف مزيد من الدول الأوربية بالدولة الفلسطيني.
ولعل إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني. ووزير دفاعه بتهم تتصل بارتكاب جرائم حرب في عدوانهم الجاري على غزة وشعبها يعتبر واحد من أهم التطورات في ملف العدوان على غزة.
الادعاء العام في المحكمة أصدر أيضا قرارات ضد رئيس حركة المكتب السياسي لحماس، ورئيس حماس في القطاع، والقائد العسكري لحماس.
ولا شك بأن مثل هذه القرارات تضع القاتل والضحية في مستوى واحد ، لكن هذا في ميزان الصراع غير مهم، ذلك أن المجاهدين لا يأخذون شرعيتهم إلا من شرعية قضيتهم، وهم في مجملهم مقاتلون من أجل الحرية، فهم حركة تحرر وطني.
المهم في قرارات المحكمة الدولية ما أصاب قادة الكيان، وهم الذين اعتادوا أن ينظروا الى أنفسهم أنهم فوق كل مساءلة، وفوق كل قانون، وعودتهم الدول الغربية أنهم فوق كل مساءلة.
لقد وجهت المحكمة الجنائية الدولية بقرارها صفعة هائلة ليس لنتنياهو وغالات. وإنما لمكانة وموقع الكيان الصهيوني في خارطة العلاقات السياسية والقانونية الدولية، لقد أنهت هذه القرارات الامتياز الذي كان معطى لهذا الكيان……..
مهم أن ننتبه هنا أن صفعة قرار مدعي عام محكمة الجنايات لم تقتصر على الكيان الصهيوني، وإنما أيضا ونفس القوة كانت صفعة على وجه الولايات المتحدة لاعتبار أن القرار اعلان بتمرد مؤسسة دولية على الارادة الأمريكية في أهم سياساتها المتمثلة بحماية الكيان الصهيوني.
في إطار الصورة العامة لمعركة غزة التي استشهد فيها حتى الآن أكثر من 36 الف فلسطيني معظمهم من المدنيين،
فإن ظل “اسرائيل والصهيونية” الذي كان يخيم على العالم بات يتراجع بقوة، مقابل تقدم صورة ومكانة فلسطين والشعب الفلسطيني.
كذلك فإن الصورة الحقيقية ل”اسرائيل” باعتبارها نظاما عنصريا استعماريا وظيفيا وغير انساني بدأت تنتشر أكثر في ميادين الثقافة والعلم والإعلام والسياسة في العالم كله بما في ءلك العالم الغربي، مقابل بروز ووضوح صورة فلسطين والشعب الفلسطيني وما ارتكب بحقه نتيجة زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
نحن أمام بداية مشوار استعادة فلسطين، وهي بداية جادة ومتصاعدة ومثمرة، وهي بطبيعتها سيكون لها تأثيرا كبيرا جدا على المحيط العربي.
الثمن الذي دفعه ويدفعه الشعب الفلسطيني ومجاهديه، وأهل غزة ثمن باهظ، لكن الثمرة تستأهل ذلك، وما أظهرته المقاومة من اتقان ووعي في إدارة المعركة. وما أظهره الشعب الفلسطيني من قدرة على الصبر والتحمل والالتفاف حول المجاهدين يعطينا القدرة على التفاؤل أننا سنصل بإذن الله إلى مبتغانا.