ريتا الجمّال – بيروت
العربي الجديد
16 سبتمبر 2024
مناصرون لحزب الله في بيروت خلال تشييع فؤاد شكر، 1 أغسطس 2024 (أوليفر مارسدن/فرانس برس)
عادت احتمالات الحرب الشاملة في جنوب لبنان إلى الواجهة من جديد، على وقع تصاعد المواجهات العسكرية وارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بشنّ حرب برية على لبنان لتغيير ميزان القوى في الشمال واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة السكان إلى “منازلهم بأمان”، بينما يؤكد حزب الله أن “لا طريق لعودة المستوطنين إلا بإيقاف الحرب على غزة”.
ومع فشل المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، يزيد الترقب على المستوى اللبناني من انعكاس تعثر الحل السياسي على الجبهة، خصوصاً أن حزب الله يتمسّك بموقفه الرافض للبحث بأي مسار قبل وقف العدوان، ما يعني استمرار العمليات العسكرية المتبادلة إلى فترة يصعب تكهّن أمدها أو حتى وتيرتها، مع اقتراب القصف المتواصل من عامه الأول في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وعلى الرغم من أنّ المواجهات لا تزال نسبياً ضمن قواعد الاشتباك، مع بعض الخروقات المتبادلة، مع ضرب حزب الله أهدافاً عسكرية إسرائيلية حسّاسة يستهدفها للمرّة الأولى منذ بدء الحرب، وتوسعة جيش الاحتلال من جانبه عملياته لبنانياً، ولا سيما في النبطية جنوباً والبقاع، إلا أنّ هناك خشية محلية ودولية من انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة، مع ما لذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة.
وفي هذا الإطار، تقول أوساط حكومية في لبنان لـ”العربي الجديد”: “ننظر بخشية إلى التصعيد الحاصل في الفترة الأخيرة، وذلك بعد تراجع نسبي سُجل عقب ردّ حزب الله على اغتيال قائده فؤاد شكر، وخصوصاً مع زيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي وتيرة استهدافاته سواء في الجنوب أو البقاع، وبدورنا نكثف اتصالاتنا لمنع توسّع رقعة الحرب، وللدفع أكثر باتجاه الضغط على العدو لوقف تجاوزاته وعدوانه الذي يشمل حتى المدنيين والمسعفين ولا يستثني منها أحداً”. وتشير هذه الأوساط إلى أنّ “لجنة الطوارئ تكثف اجتماعاتها وعملها من أجل مواجهة أي سيناريو مقبل، خصوصاً على الصعيد الصحي-الاستشفائي، ضمن الإمكانات المتاحة، وتبحث مع المنظمات الدولية المساعدة أيضاً، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، ولا سيما أنّ هناك أعداداً كبيرة من النازحين تخطّت الـ140 ألفاً، إضافة للأشخاص الجُدد الذين يتركون منازلهم في الجنوب في ظلّ التصعيد العسكري الحاصل والتهديدات الإسرائيلية المستمرّة بتغيير الوضع شمالاً”.
وتلفت الأوساط إلى أنّ “لبنان متمسّك بموقفه الرافض للحرب وعدم نيته دخولها، لكن التجاوزات والاعتداءات تحصل من جانب العدو، وعلى المجتمع الدولي أن يرى ذلك، ويبحث هناك طرق التهدئة ومنع التصعيد، لا مع الجانب اللبناني، علماً أن الحراك الدولي، رغم أنه مكثف، لكنه يبقى غير كافٍ حتى الساعة في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب اللبناني، من هنا نناشد باتخاذ خطوات جدية وفعّالة لوقف إطلاق النار بأسرع وقتٍ ممكنٍ”.
من جانبه، يقول مصدرٌ في قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، لـ”العربي الجديد”، إنّ “القصف الراهن يُعدّ من الأعنف منذ بدء الحرب على الحدود، والخشية تزداد من توسّع رقعة العمليات العسكرية، ومع ذلك نرى أنّ الحل الدبلوماسي يبقى ممكناً لتفادي الحرب، وهنا على جميع الأطراف أن تعي خطورة ما يحصل”. ويلفت المصدر إلى أنّ “اليونيفيل جاهزة دائماً لتقديم المساعدة، لكن عملها الميداني يقتصر على تسيير الدوريات بالتعاون مع الجيش اللبناني، وتوثيق التجاوزات التي يرتكبها الطرفان، ونتمنى أن يتوقف إطلاق النار بأسرع وقتٍ ممكنٍ لعودة النازحين إلى منازلهم”.
في السياق، تؤكد مواقف حزب الله أنّ “أي اعتداء على القرى والبلدات الجنوبية اللبنانية لن يمرّ من دون ردٍّ مناسبٍ يدفع فيه العدو ثمناً موازياً لعدوانه”، وتشدّد على جهوزية المقاومة لأي سيناريو، بما في ذلك الحرب الشاملة، التي لن تكون برأيه نزهة وسيدفع العدو ثمنها غالياً. وقال نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله علي دعموش في موقفٍ له، أمس الأحد، إنّ “على العدو أن يعرف أنه مهما تمادى وتوسّع في عدوانه، لن يتمكّن من النيل من قدرات المقاومة ولا من تدمير عماد 4 وغيره من المواقع التي تحتوي على صواريخ استراتيجية دقيقة ما زالت في مخازن المقاومة وتنتظر إشارة قيادة المقاومة لاستخدامها حين يتطلّب الأمر ذلك”.
ويقول مصدرٌ نيابيٌ في حزب الله لـ”العربي الجديد”، إنه “على الرغم من التصعيد الإسرائيلي وتوسعة عملياته في الجنوب والبقاع، بيد أننا لا نزال نستبعد سيناريو الحرب الشاملة، فالعدو لا يمكنه خوض حرب واسعة مع المقاومة وهو يحسب ألف حساب قبل الدخول في سيناريو كهذا، لذلك نحن نرى أنه يضغط فقط ويهوّل كلامياً، وبكل الأحوال نحن جاهزون كما قلنا سابقاً ومراراً لكل الاحتمالات، وأصبحنا أقوى مما كنا عليه سابقاً”.
وتأتي هذه التطورات الميدانية فيما يتجه الترقب إلى اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، اليوم الاثنين، لبحث توسيع الحرب على لبنان، كما تُنتَظر نتائج الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى إسرائيل، ضمن مساعيه للتهدئة وخفض التصعيد، علماً أنّ جميع محاولات المبعوث الرئاسي اصطدمت بعراقيل ولم تسفر عن أي أجواء إيجابية في الفترات الماضية.
معركة مفتوحة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي
في هذا الإطار، يقول الباحث اللبناني في الشؤون العسكرية عمر معربوني لـ”العربي الجديد”، إنّ “المعركة حتى اللحظة لا تزال ضمن الستاتيكو القائم منذ أشهر. بالتأكيد هناك ارتفاع في حدة المواجهات وتصعيد للعمليات العسكرية، لكن بات واضحاً أنه عندما تقصف المقاومة الجولان، فإنّ العدو يتّجه لقصف البقاع، وهذه المعادلة يمكن تثبيتها وإرساؤها على أنها قائمة حتى اللحظة”. ويضيف معربوني أن “لا شيء جديداً بالنسبة إلى التهديدات الإسرائيلية، فبالتأكيد أن جيش الاحتلال والقيادة الإسرائيلية يعيشان بمأزقٍ في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بما يرتبط بطبيعة المواجهة، حيث إنّ هناك أكثر من إشكالٍ بالنسبة إلى الإسرائيليين، الأول توسيع حزب الله استهدافه مستوطناتٍ جديدة بين فترةٍ وأخرى رداً على توسيع القصف الإسرائيلي، ما يزيد حجم النازحين الإسرائيليين، وهذه العقدة الأساسية التي يعاني منها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكلٍ أساسيٍّ ومعه القادة الإسرائيليون”.
ويردف معربوني “الإشكال الثاني هو التعقيدات في الجنوب اللبناني وشمالي فلسطين المحتلة، والتي تزيد وتيرة التهديدات، وتتمثل بعدم قدرة الاحتلال على التعامل مع المسيّرات التي يرسلها حزب الله ويضرب فيها أهدافاً إسرائيلية مختلفة في فلسطين المحتلة، ما يخلق أزمة كبيرة لدى الإسرائيليين”. ويشير الباحث اللبناني إلى أنه “بغض النظر عما إذا كانت التهديدات الإسرائيلية ستُنفّذ أم لا، فإنّ قناعاتي أنّ الحدّ الأقصى الذي يمكن أن يذهب إليه الإسرائيلي، خصوصاً في ظلّ النصائح الأميركية والاعتراضات في الأصوات الوازنة من قيادات إسرائيلية، هو توسيع نطاق المعركة، لكن أن يذهب إلى تنفيذ حملة جوية واسعة كما يُشاع فهذا سيتم الرد عليه بشكل متناسب ومتماثل من قبل حزب الله بالعمق والمستوى، أما الذهاب لاجتياح بري فلا أعتقد أنّ الإسرائيليين بوارد تنفيذ سيناريو كهذا لأنهم يعرفون أنه سيكون مكلفاً، ولا يمكن للقيادة الإسرائيلية أن تضيف أو تراكم أزمات أخرى لأزماتها، لأن معركة برية مع لبنان سيتكبدون فيها خسائر كبرى على مستوى الآليات والأفراد، ولا أعتقد أنّ الإسرائيليين يمكنهم أن يتحمّلوا مزيداً من الخسائر”.
ويضيف معربوني “في كل الأحوال منذ بداية الاشتباكات في الثامن من أكتوبر، قلنا ولا نزال إنّ أي خطأ يمكن أن يأخذ الأمور إلى مستوى أعلى من الاشتباك الحالي، لكن حتى اللحظة لا مؤشرات إلى أن الأمور ذاهبة لمواجهاتٍ أوسع، أقلّه بالمدى المنظور القريب أو المتوسّط”، ويلفت إلى أنه “في المرحلة المقبلة أعتقد أن الأمور أصبحت ضمن مسار المعركة المفتوحة، وهو ما يؤكده الإسرائيليون والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حين قال إنّ المعركة مفتوحة، والمشكلة للإسرائيليين أنهم يعرّفون الحرب بأنها معركة وجودية، وهو ما يضعهم بوضعية لا يمكن التراجع عنها، في حين أنّ حزب الله يُعرّفها بأنها معركة مصيرية، وانطلاقاً من التعريفين أعتقد أنّ المعركة ستكون طويلة حتى لو تخلّلتها هدن أو وقفاتٍ قتالية، لكنها ليست جولات قتال على غرار ما كان يحصل قبل السابع من أكتوبر، بل المعركة مفتوحة، وستأخذ مسارات متصاعدة، لكن بالتدريج وليس بشكلٍ دراماتيكي”.