علي محمد فخرو
القدس العربي
الخميس , 5 ديسمبر , 2024
يحار الإنسان في ظاهرة بقاء قوى الأمة العربية، سواء أكانت أنظمة حكم، أم كانت قوى مدنية، لا تدور ردود أفعالها تجاه الكوارث الهائلة التي يعيشها الوطن العربي، إلا في أشكال الشجب الذي لا يقدم ولا يؤخّر، وإلاّ في أشكال استجداء الآخرين أن يقوموا نيابة عنهم بالأفعال والمغالبة ومعاقبة الجناة. لكأنّ العرب يؤكّدون صدق ما قاله العالم الشهير ألبرت آينشتاين «بأن العالم ليس خطراً بسبب ما يرتكبه البعض من مصائب، وإنما بسبب الذين يشاهدون المصائب ولكنهم لا يفعلون شيئاً». الكلمة الأساسية في هذا القول هي كلمة الفعل وليس الشّجب أو الاحتجاج. يا ليتنا فقط نذكّر أنفسنا بوعي وفهم بما قاله الكثيرون عن الأهمية القصوى لممارسة الفعل في حياة الفرد وحياة الأمم السياسية.
يقول العالم الشهير توماس أديسون: «سنتفاجأ وننبهر لو أننا قمنا بكل الأفعال القادرين على فعلها». ويقول ت.هـ. هكسلي: «أعظم ما في الحياة ليست المعرفة وإنما هو الفعل». ويقول جون رسكن: «ما يخطر بأفكارنا، أو ما نعرف، أو ما نعتقد ليس له فائدة كبرى في المحصّلة، ما يهم ويفيد هو، ما نفعل». أما الشاعر الأشهر شكسبير فإنه يصرخ بلسان بطله هاملت: طابق الفعل على الكلمة، وطابق الكلمة على الفعل». بل دعنا لا نذهب بعيداً، فنبي الإسلام العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) ما كان ليستطيع نشر رسالة الوحي السماوية خارج مكة، لو أنه لم يقرن القول والدعوة بحرارة الفعل الجهادي في تغيير الواقع.
الحقوق وكرامة الأوطان لا تستعاد بإعلانات الشجب والغضب والاستجداء، بل بالكفاح الفاعل وخوض المعارك ضدّ الأعداء، وبالتضحيات الجسام، دماً لا دموعاً فقط
ما يستنتجه الإنسان من كل ذلك أن الأقوال بجميع أشكالها وحدّتها هي لتبرير الأفعال، ليس إلا. والمواقف السياسية، التي لا تستند إلى أفعال في مرحلة ما تنقلب إلى مواقف جوفاء لا تغيرّ الواقع الحياتي. وهذا يفسر أنه لتمجيد الفعل قامت في أوروبا، بعد الحرب العالمية الأولى، حركات سياسية تحت إسم «الفاعلين» كردّ فعل لما فعله السكوت السياسي من قبل البعض، تجاه أهوال تلك الحرب ومرتكبيها. تتوّج تلك الملاحظات والأقوال ما كرّره مراراً تاريخ البشرية من أن الحقوق وكرامة الأوطان لا تستعاد إلا بالكفاح الفاعل وخوض المعارك ضدّ الأعداء، وليس باعلانات الشجب والغضب والاستجداء. وتاريخ استقلال كل الأقطار العربية وخروجها من أيادي الاستعمار ما كان ليتحقق إلا بفعل التضحيات الجسام، دماً لا دموعاً فقط.
مناسبة طرح هذا الموضوع من جديد هي خلو بيان قمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخير من قرارات عقابية فاعلة ضد الجهات التي تتآمر على مختلف شعوب الوطن العربي، وعلى الأخص المؤامرة الإجرامية الصهيونية التي يمارسها الكيان الصهيوني، بمساندة من الاستعمار الأمريكي والأوروبي، ضد شعب غزة الفلسطيني المناضل الصابر، وضد شعب لبنان ومقاومته المساندة لإخوتها في النضال في غزة، وضد شعب سوريا الذي يساند المقاومة ويسهل قيامها ببطولاتها الرائعة، وضد شعبي العراق واليمن اللذين وقفا مع المقاومة بكل إمكانياتهما. ولا تعّوض عبارات الشجب والغضب والتهديد الممتازة التي جاءت في البيان، مساندة لتلك الشعوب العربية وضدّاً لما يرتكبه الكيان وسانديه، لا تعّوض ذلك الغياب المفجع لقرارات الفعل والعقاب المطلوبة والضرورية، وعلى الأخص بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياحية والثقافية. والواقع أن هذه الملاحظة تنطبق على بيانات القمم العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون العربي الإسلامي، التي صدرت عبر العديد من السنين السابقة. لقد بقيت جميع تلك البيانات غير متوازنة ما بين القول والفعل، وهو ما يبرّر استخفاف القوى المعادية لقضايا العرب بكل اجتماعات وبيانات اجتماعاتهم بمستوياتها المختلفة ومسمّياتها المتعددة. من هنا أيضاً وجود الاستخفاف الشعبي العربي بتلك الاجتماعات والبيانات التي يعرف مسبقاً أنها لن تؤدي إلى إيقاف هجمات الأعداء، ولا إلى إطفاء الحرائق المشتعلة في كل مكان. هناك ضرورة ملحّة أن يعرف قادة الأقطار العربية وقادة البلدان الإسلامية بأنهم يجب أن يوقفوا استمرار هذه الظاهرة المعيبة في الممارسات السياسية العربية والإسلامية. ونعود ونكرّر أن الحياة السياسية التي يكثر فيها القول ويقل فيها الفعل في الواقع تنقلب إلى ثرثرة ونحر للكرامة. ونطالبهم بأن يعيدوا للحياة السياسية في بلدانهم رونقها وروحها وحيويتها، التي يغلّفها منذ عدة عقود السّواد والبؤس. أما الشعوب فإنها مطالبة بأن ترفع شعار: نطالب بالأفعال وليس بالأقوال.
كاتب بحريني