
بقلم محمد علي صايغ
بعد أن ترك النظام البائد ورئيسه الهارب الدولة السورية جثةً شبه ميته ، بدأت كما يقال السكاكين تغرز في الجسد المتهاوي بفعل نظام مجرم خلف انهيارات عميقة في بنى الدولة ومؤسساتها ، لتتحرك على خلفية هذه الانهيارات قوى عديدة إقليمية ودولية إضافة إلى فلول النظام القمعي لتطل برأسها عبر عملاء لها ، من أجل مزيد من إنهاك الدولة السورية أكثر مما هي منهكه ، وإثارة النعرات الطائفية والاثنية والمناطقية في محاولات لتنفيذ أجندات خارجية تعمل على هتك النسيج الوطني السوري وصولاً إلى حالات تقسيمية يتم العمل عليها بهدوء عبر مخططات بالتأكيد خارج الإجماع الوطني السوري ..
وتتحرك اليوم في الفضاء الإعلامي حالة من حالات الهيجان المنفلت وخاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة ، مدعومة بما يعرف ” بالذباب الالكتروني ” تعمل من خلال بث حالات من الشك والتشكيك ، وتأوير النزعات الماقبل الوطنية ، وتضخيم حالات الشغب والصدامات العنفية لإثارة الفوضى هنا وهناك ، وخاصة في مناطق بعينها من أجل الدفع إلى قتال واقتتال ، وجر الأمور إلى حرب مناطقية تخلف دماراً وقتلى تتيح للقوى الخارجية التدخل المباشر لوضع هذه المناطق تحت إشراف دولي أو الدفع بمخططات التقسيم كأمر واقع تحت شعار الحفاظ على الأقليات … وما جرى في بعض مناطق الساحل ، وأيضا مايجري في ” جرمانا ” من مواجهات ليصل الأمر بالكيان الصهيوني إلى الإيعاز بالاستعداد العسكري من أجل الزعم بحماية أهل جرمانا ومن ورائهم أخوتنا الدروز من ٱل بني معروف الأوفياء لوطنهم السوري .. ما يجري ماهو إلا بداية لسرقة الفرح السوري وإدخال البلاد في معارك جانبية وبينية بعد خلاص الشعب السوري من نظام الأسد المافيوي الذي كان وفياً بتعهداته للكيان الصهيوني …
اليوم سورية في لحظة فارقة لصيانة اللحمة السورية أمام المخططات الكبرى التي تترصدها .. والشعب السوري بعد المٱسي والمعاناة لعقود طويله عليه صيانة البيت الداخلي من أجل مواجهة المخاطر والأفخاخ المتربصة به ، فلا قوة لأي دولة بدون قوة البيت الداخلي وصيانته ، وفي إطار هذه المواجهة لا بد من تحديد الأولويات في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ شعبنا ..
ومن الطبيعي في الداخل السوري أن نختلف هنا وهناك في الرؤية لمحددات دولتنا الجديدة ، ومن الطبيعي ان تختلف وجهات النظر في الٱليات الضامنة للوصول الى سورية الحرة التي تصون الكرامة وتؤسس لحكم القانون ،وترسي دعائم الانتقال إلى الحكم الديمقراطي القائم على أساس المواطنة المتساوية .. ولكن كل ما نختلف عليه أو نتفق لا يمكن أن يتحقق في ظل أي انقسام مجتمعي ، كما لا يمكن النهوض ببلدنا بوجود حالات تحاول خلق الفوضى والاضطراب وضرب السلم الأهلي في مقتل ..
الشعب السوري أمام مرحلة دقيقة تتطلب وعي الواقع والوقوف بمواجهة ما يحاك في الغرف المظلمة .. والالتفاف بوعي لإجهاض كل محاولة لتفتيت النسيج المجتمعي السوري .. وهذا لا يعني عدم المشاركة أو ممارسة النقد الموضوعي لأي ممارسات خاطئة من الإدارة الحاكمة الجديدة .
وفي إطار هذه الأوضاع والظروف المعقدة ، لا بد من خطاب وطني جامع يؤكد على وحدة سوريا وسيادتها أرضاً وشعباً ، وتوفير الأمن والأمان والاستقرار ، وتأمين الخدمات والحياة المعيشية الكريمة ، واحترام الحريات الخاصة والعامة والقطع مع نظام الاستبداد ومولداته ، والالتزام بقواعد حقوق الإنسان وفق الاعلانات والمواثيق الدولية ، والعمل على التماسك الوطني والاجتماعي ، والتمسك بالمواطنة المتساوية ونبذ كل أشكال التمييز العرقي أو الديني أو المذهبي أو العقائدي .. ، ووضع حد لكل أشكال التطرف والعنف ، وتسييد مبدأ التعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع السوري ، في سبيل تأسيس الدولة المحايدة التي تتجاوز المحاصصات الجهوية أو المناطقية وغيرها ، وإطلاق حرية العمل السياسي المدني والحزبي وتحفيز مشاركتهم في الانتقال السياسي ودعمهم للنهوض الوطني في كافة المجالات وخاصة في التنمية المجتمعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ……
على أن متابعة الأخطاء والنقدالبناء يفترض أن يكون نابعاً من الحرص على وحدة كيان الدولة ، كما أن تسليط الضوء على الممارسات الخاطئة يجب أن لا يؤدي الى التناحر والاحتقان وإنما يرتكز على أساس الحوار السلمي الذي يفضي إلى المشاركة الواعية والمساهمة في اتخاذ القرار وبناء الدولة العصرية عبر العمل المنظم السلمي الذي يشكل قوة ضغط شعبية لأي ممارسات قد تنحرف عن تحقيق الدولة التي نحلم جميعاً بها ، وهذا يقتضي العمل الجماعي في الحشد والضغط عبر توسيع العمل المدني ومنظماته المدنية ، وعبر الدفع بدعم تأسيس الأحزاب الوطنية على أسس جديدة ، فلا ديمقراطية حقيقية بدون وجود أحزاب فاعلة ، ومن الأهمية بمكان تشجيع الاتجاه نحو التجمعات والتحالفات بين القوى المدنية والحزبية لتمارس دورها شعبياً في منع حالات الفوضى والعنف والاضطرابات ، وتشكيل قوة ضغط وازنة لوقف أي توجهات لا تحترم الإرادة السورية الجامعة ، أو أية ترتيبات لفرض اللون الواحد أو الاتجاه الواحد بما يعيد الاستبداد من جديد ، ويضطر الشعب السوري للثورة ودفع أثمان باهظة ، من أجل استعادة حريته وكرامته من جديد ..