رام الله – مالك نبيل
العربي الجديد
03 يوليو 2024
الجنود الإسرائيليون ينتشرون في أرجاء مدينة الخليل وضواحيها (رويترز)
تصعّد قوات الاحتلال الإسرائيلي من محاولات ضم أراضي الفلسطينيين في الخليل جنوبي الضفة الغربية، عبر استغلال ما يسمّى “قانون الاستملاك”، والذي تصادر من خلاله الأراضي بحجة تحقيق منفعة للمصلحة العامة، لكن الأثر الحقيقي على الأرض يوحي بتسخير القانون في خدمة مشروع الضمّ الإسرائيلي.
ولا تتوقف خطوات الاحتلال الإسرائيلي لضمّ أراضي الخليل إلى السيطرة الإسرائيلية، إذ يصعب ضمّها دفعة واحدة، لذا يأتي التعامل الإسرائيلي مبنياً على خطوات غير تقليدية، بحسب ما يؤكده خبراء ومسؤولون لـ”العربي الجديد”. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت الإدارة المدنية الإسرائيلية أوامر استملاك بحق أراضي الفلسطينيين في مناطق شمالي الخليل، بهدف توسعة الشارع الالتفافي (خطّ 60) الواصل بين جنوب الخليل من منطقة جبل جوهر، إلى منطقة خربة عديسة شرقاً والمحاذية لمستوطنة كريات أربع، وصولاً إلى مدينة حلحول شمالاً. وبالتالي، يصبح إجمالي الأراضي التي استولى عليها الاحتلال منذ عام 1990 الذي بدأ فيه شق الطريق لهذا الشارع حتى هذا اليوم، نحو 350 دونماً، وفق ما يقوله مدير النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، خلال حديث إلى “العربي الجديد”.
وخلافًا للأساليب الإسرائيلية المعتادة في التوسع الاستيطاني، كالإخطارات في الهدم ووقف البناء، والمصادرة بحجج أمنية، أو ذرائع قانونية مثل قانون أملاك الغائبين، ومشروع ضمّ مستوطنات الخليل لمنطقة النقب، تأتي أوامر الاستملاك لتكون أصعب طريقة لا يمكن مواجهتها بالوسائل المتاحة قانونياً. ويستند الاحتلال في خطوات استملاكه الأراضي الفلسطينية إلى البند الرابع من رقم 2 حسب القانون الإسرائيلي الصادر عام 1953، والذي “يتيح للدولة الحق باستملاك أي قطعة أرض إذا كانت مصلحة الجمهور تقتضي ذلك، على أن يتم تقديم تعويضات مناسبة لأصحاب الأراضي”، كما يوضح محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان جنوبي الضفة الغربية صلاح الشلالدة في حديث إلى “العربي الجديد”.
ويقول الشلالدة إن “القرار الصادر والذي لم نطّلع على خرائطه بعد، ولم نقارنه بالواقع، يشير مبدئياً إلى صدور قرار استملاك لأراضٍ تتبع مدينة حلحول شمالي الخليل وبلدتي بني نعيم والسموع شرقاً، وذلك لمصلحة توسيع الشارع الالتفافي الواصل من شرقي إلى شمالي الخليل، فيما يزعم الاحتلال أن المنفعة من الشارع متبادلة فلسطينياً وإسرائيلياً، وهي بالحقيقة خدمة للمشروع الاستيطاني”.
من جانبه، يوضح مدير مركز أبحاث الأراضي في الخليل جمال العملة لـ”العربي الجديد”، أن أوامر الاستملاك إسرائيلياً تُعتبر قراراً قطعياً لا مجال للاعتراض عليه، ما يجعله أخطر الأدوات الاستيطانية، ويضيف: “حتى من تثبت ملكيّته للأراضي الصادر بحقها أوامر الاستملاك، لن يستطيع الحصول إلا على تعويض مالي، والتعويض يعني إقراراً بشرعية الاستملاك الإسرائيلي لهذه الأرض، وبهذا تُعتبر هذه الطريقة أخطر من قرارات المصادرة التقليدية المعروفة، وتشبه ما جرى عام 1968، حين صدر قرار إسرائيلي باستملاك أراضي مدينة القدس”.
ويتابع العملة: “لا يحق للحكومة الإسرائيلية استملاك أراضٍ محتلّة وفق القانون الدولي، لأن صدور قرار الاستملاك ينفي صفة الاحتلال، ويعني أن قرار الضمّ نافذ عملياً، وأن الضفة الغربية تتبع لمنطقة إسرائيلية ويتم استخدامها للمصلحة العامة حسب ادعائهم”. ويُعتبر إثبات ملكيّة أراضي الخليل بطريقة تتوافق مع القانون الإسرائيلي، أمراً صعباً، نتيجة عدم اعتراف المحاكم الإسرائيلية بسجلات الأراضي “الطابو الفلسطيني”، وفقدان “الطابو الأردني” الذي لم تكتمل إجراءات صدوره في الخليل إبان الحكم الإداري الأردني للضفة الغربية خلال القرن الماضي، بالإضافة إلى عدم اعتراف الاحتلال بإخراجات القيد المالية الصادرة عن حقبات حكم فلسطين خلال السنوات الماضية، حيث يعتبرها دليل استخدام لا تملّك، وفق العملة.
وهنا، يلفت الشلالدة إلى أن ورقة “الطابو” عادة ما تؤثر إيجاباً في المسار القانوني لقضايا أراضٍ تعرضت للاستيلاء من قبل الجيش أو المستوطنين، أو أوامر الإخلاء، أو إعلان منطقة ما ضمن أراضي الدولة، لكنها في المقابل ليست في مصلحة الفلسطينيين قانونياً إذا ما تعلق الحدث بأوامر الاستملاك، التي تعتبر الأراضي الصادر بحقها القرار من ملكية الدولة وتحت مسؤوليتها، بحكم أنها مناطق تُصنّف “ج” تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وعادة ما تُستخدم للمصلحة العامة وفق ادعائهم.
وعلى الرغم من ضعف الجدوى القانونية في الاعتراض، إلا أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ستعمل على جمع كل الأوراق الثبوتية، بما فيها إخراجات القيد، وتسلسل الملكية، وحصر الإرث، أو عقود البيع، أو الوكالات الدورية، أو خرائط المساحة، وذلك من أصحاب الأراضي الصادرة بحقها أوامر استملاك للمضي قدماً في المسار القانوني الذي لا يحمل نتائج إيجابية، بحسب ما يتوقعه الشلالدة.
ويشير الشلالدة إلى أن أوامر الاستملاك الصادرة بحجة “مصلحة الجمهور” تذهب باتجاه خدمة البرنامج الاستيطاني الهادف إلى ربط المستوطنات في الخليل بعضها ببعض، وبالتالي قطع الطريق على المحافظة الأكبر من أن تترابط جغرافياً كما كل أراضي الضفة، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية، عبر تفريغ المناطق الفلسطينية من سكّانها.
ورداً على سؤال “العربي الجديد” حول التركيز الاستيطاني على محافظة الخليل، يقول العملة: “يزعم الاحتلال وجود مكانة دينية للخليل عند اليهود، ما يجعلها محط أنظار الأحزاب الصهيونية، لا سيما أنها لا تقل مكانة عن القدس حسب رواياتهم، بالإضافة لوجود قوة بشرية فلسطينية موزّعة على مختلف مناطق المحافظة في المدينة، والقرى، والتجمعات البدوية، والمسافر، ما يعني أن هذا التكتل البشري تجب مواجهته، وعلى جانب آخر وجود أراضٍ واسعة في المحافظة باعتبارها الأكبر في الضفة، ما يجعل التوسع الاستيطاني غير واضحٍ كما المناطق الصغيرة”.
ويسرّع الاحتلال الخطى لتنفيذ مشاريع استيطانية في الخليل، حيث صادق الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في الثاني والعشرين من مايو/ أيار الماضي، على قرار يقضي بضمّ مستوطنات الخليل وجعلها جزءاً من النقب، حيث يسري عليهم قانون سلطة تطوير النقب، ومن ثم تصبح المناطق المستهدفة تابعة كلياً لـ”إسرائيل” إذ يشمل القرار ضمّ 15 مستوطنة وبؤرة غير شرعية عشوائية، بما فيها مستوطنة كريات أربع، والتي تستوطن على مساحات داخل مدينة الخليل، وتصل إلى أطرافها الشمالية الشرقية.