حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي
في سورية
بيان أعمال المكتب السياسي
عقد المكتب السياسي اجتماعه الدوري بتاريخ ٢٠ /٣ / ٢٠٢٥ واستعرض التطورات التي حدثت في الساحل السوري والتداعيات الخطيرة التي ترتبت على تلك الأحداث ومستجدات الوضع في جبل العرب “محافظة السويداء” والتي باتت في بعض مفاصلها خارج السيطرة، والاعلان الدستوري، والاتفاق الموقع مع قوات سورية الديمقراطية والعدوان الصهيوني على سورية.
لقد تم بحث هذه الملفات الساخنة عبر قراءة موضوعية تنسجم مع رؤية الحزب السياسية للمشهد الحالي الذي تعيشه البلاد، واستمرار التصدع الأمني في العديد من المناطق السورية، بعد مئة يوم من سقوط النظام الأسدي، وخلص إلى المواقف التالية:
أولاً: إن ما حدث بين ٦ و١٠ آذار في الساحل السوري كان بمثابة جرس انذار خلف وراءه كلف دموية باهظة حيث قتل المئات من قوات الأمن العام في كمائن نصبتها فلول النظام البائد واستهداف المشافي وسيارات الاسعاف ، ومقتل المئات من الضحايا المدنيين العزل من النساء والأطفال والتعدي على ممتلكات المواطنين من قبل بعض الفصائل المنتمية الى مرتبات الجيش السوري ، حيث التحقت بعض الفصائل بما سمي “الفزعة” لتشارك في عملية مواجهة المتمردين، والتي وضح أنها خارج سيطرة وزارة الدفاع المنتمين لها، ولم تلتزم بالتعليمات التي أعطيت للأمن العام بالابتعاد عن الثأرية والانتقام وأية ممارسات لا انسانية مع الذين يتم القبض عليهم ،علماً أن قوات الأمن العام والفصائل الرديفة استطاعت محاصرة الانقلاب الذي رسمت خططه وتنفيذه دوائر خارجية بالتعاون مع أذرع داخلية، والذي كان يهدف الى ضرب السلم الأهلي وزرع الفتنة الطائفية وإلى جر البلاد إلى مستنقع الاقتتال الأهلي وطلب الحماية الدولية ووضع سورية تحت إدارة النفوذ الخارجي .
إننا في حزب الاتحاد ندين وبشدة كافة الجهات التي تلوثت أيديها بدماء السوريين ومن كافة الأطراف، كما نطالب السلطات المختصة بمحاسبة العناصر أو قادة الفصائل المسؤولين عن هذا الفعل الجرمي غير الإنساني والذي يتعارض مع أبسط تعاليم الإسلام مؤكدين أن “دم السوري على السوري حرام” ونطالب بإبعاد المتورطين عن مرتبات الجيش، كما نثمن سلسلة الاجراءات التي قام بها السيد رئيس الجمهورية المتمثلة في تشكيل لجنة السلم الأهلي ولجنة تقصي الحقائق، وانتظار نتائجها وشكل العقوبات التي تتناسب مع هذا الفعل الجرمي وإعلانها للرأي العام، حتى تطمئن أسر الضحايا أن هناك جهة قادرة على المحاسبة وانصاف المتضررين، في محاولة جادة لتهدئة الغليان في الساحل السوري، مع تأكيدنا على أهمية متابعة ملف المطلوبين الذين يقاومون الأمن العام، ومن يتم القبض عليهم لعرضهم على محكمة مختصة وعادلة، مما يستدعي من الادارة الحالية تفعيل هيئة العدالة الانتقالية للقصاص العادل وجبر الضرر، كما نهيب بالسوريين أن يضعوا أياديهم بأيدي بعض بما يخدم مصلحة الوطن لتجاوز هذه المرحلة الصعبة ، والعمل معاً في مواجهة كل عناصر النظام الأسدي الذين عاثوا فساداً وإجراماً في البلاد، وكانوا السبب المباشر فيما حدث في الساحل.
ثانياً: تم تسليط الضوء على الانقسام المجتمعي الحاصل في محافظة السويداء بين المرجعية الروحية لبعض شيوخ العقل وبين معظم أبناء جبل العرب، الذين توافقوا على دعم الإدارة الحالية من خلال وثيقة وقعت عليها كافة الأطراف أودعوها لدى مكتب الرئاسة، فيها بعض المطالبات الخدمية والأمنية الخاصة بالمحافظة، أكدوا فيها على وحدة سورية ارضاً وشعباً وأنهم جزء أصيل من سورية ومشروعها الوطني، وضد أي مشروع تقسيمي، لكن بعض الجهات ذهبت باتجاه التحريض الذي يعمل عليه العدو الصهيوني في تعزيز نزعة الانفصال وتأمين الحماية لهم في مواجهة الإدارة الحالية، علماً أن هناك بعض الفصائل المحلية في المحافظة قررت أيضأ أن تدخل تحت إدارة وزارة الدفاع وتعمل من موقعها على مواجهة كل الفلول والدسائس التي تسعى لشق النسيج الوطني .
رأى المكتب السياسي ضرورة رأب الصدع بين كافة الأطراف وتحييد القيادات الروحية عن الحقل السياسي والاداري لأنها من صلاحيات الدولة ومن صلاحية القوى السياسية والادارية ذات الخبرة في المحافظة، وتعزيز نشر الوعي بين أبناء المحافظة من أجل مواجهة المخططات التي تشوه أصالة ووطنية أبناء جبل العرب الذين يشهد لهم في الوطنية وحرصهم على سورية ووحدتها.
ثالثاً: توقف المكتب السياسي أيضاً عند الاتفاق الذي وقعه كلاً من السيد رئيس الجمهورية والسيد مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية، الذي تم التعهد فيه بضم القوات لتكون تحت ادارة وزارة الدفاع في الجيش العربي السوري مع وضع كافة المؤسسات المدنية ضمن الحكومة الحالية.
إن هذا الاتفاق بادرة إيجابية تثمن لكلا الطرفين ويمكن البناء عليه لوضع كافة الأراضي السورية تحت إدارة الدولة التي لم يستطع النظام البائد أن يخطو باتجاهها خلال سنوات الثورة، وكانت المحافظات السورية الثلاث (الحسكة ودير الزور والرقة) منفصلة بالكامل عن الدولة السورية.
ومع تقديرنا لكل اتفاق من شأنه أن ينهي أية مشاريع تقسيمية أو نزعات انفصالية تؤثر على وحدة سوريا الجغرافية والمجتمعية، فقد شاب هذا الاتفاق العديد من الثغرات التي تجعله دون الهدف الذي نتطلع إليه، إذ لم يحدد الآليات التنفيذية الملزمة، وكيف سيكون موقع القوات داخل الجيش العربي السوري؟ وهل سيعامل عناصرها كأفراد أم ككتلة؟ وعملية تسليم قسد لكل ما يقع تحت يدها من ثروات الوطن، ومراكز إدارية، ومؤسسات ومنشآت وعتاد… الخ، كما جاء الحديث في الاتفاق عن الدولة اللامركزية عاماً وغير محدد مما يشكل خطراً على وحدة البلاد، والأخطر أن مفردات النص ملتبسة توحي أن الإدارة الذاتية تعامل ككيان شبه مستقل، وقد أكد هذا المعنى البيان اللاحق الصادر عن قسد حول الاتفاق والذي يظهر تعارضه مع النص الأصلي، وتحدثه بمفردات عقدهم الاجتماعي الذي جنح خارج التوافق الوطني.
رابعاً: ناقش المكتب السياسي الإعلان الدستوري الذي صدر بتوقيع رئيس الجمهورية كوثيقة تنظم عمل المرحلة الانتقالية وكافة المؤسسات الناشئة بشكل قانوني ودستوري، وقد تعرض هذا الإعلان لحملة من الانتقادات طالت بعض مواده، وأظهر أنه لم يكن معبراً عن طموحات السوريين في رسم خارطة طريق للانتقال السياسي ووضع سورية على طريق بناء دولة وطنية ديمقراطية، دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
ورأى المكتب – ومن منطق فقه الأولويات – أن هذه الوثيقة وضعت لتخدم مرحلة انتقالية محددة المدة، ولتغطية الجانب القانوني واعطاء شرعية نسبية لعمل الدولة الناشئة بكافة مؤسساتها، لتتحول فيما بعد إلى صياغة دستور دائم للبلاد يتم فيه تغطية كافة الثغرات التي شابت هذا الإعلان وفي كافة الأبواب ويتجنب مركزة السلطات بيد الرئيس ويضع مسافة بينه وبين كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بحيث تكون مستقلة ومنفصلة فيما بينها لا تتغول الرئاسة على أي منها، ولا أي منها فيما بينها على الأخرى في تنازع الصلاحيات، تصيغه هيئة تأسيسية منتخبة تمثل كافة الأطياف والأحزاب وقوى المجتمع المدني، يعتمد من قبل الشعب عن طريق التصويت الحر، ونؤكد أن أهم هذه الأولويات الحفاظ على ما تم إنجازه خلال هذه الفترة القصيرة من سقوط النظام، والبناء عليه إيجابياً في محاولة لوضع سورية على السكة الصحيحة، مع ملاحظة تصويب الأخطاء في الإدارة والممارسات، ومع التأكيد على التشاركية في كل السلطات لأنها توفر الخبرات اللازمة وتعوض النقص في مسار العملية السياسية التي تؤسس لبناء سورية الحديثة الخالية من كل التشوهات التي زرعها وعمل عليها نظام القهر البائد .
إن المرحلة التي تعيشها سورية تتطلب من الادارة السياسية الحالية مراجعة المسار السياسي الانتقالي وأن تنظم مؤتمراً وطنياً عاماً تنبثق عنه خارطة طريق عملية للمرحلة الانتقالية، وأن تركز جهودها في مسألتين، الأولى: تحقيق الأمن العام وبسط السيطرة على كافة الأراضي السورية، وحماية السلم الأهلي المستدام الخالي من النزعات الطائفية والخطاب القائم على الثأر والانتقام، والولوج إلى السلام المجتمعي بين كافة قطاعات الشعب دون أي تمييز. والثانية: أن تعمل على تأمين الخدمات واحتياجات الناس الأساسية التي تحقق حياة كريمة للمواطن، مع إيجاد حلول إنقاذية لإعادة تحريك عجلة الإنتاج التي توفر فرص عمل تساعد المواطنين في تغطية هذه الاحتياجات، مع تأمين البيئة الآمنة لعمل المستثمرين ضمن قانون ناظم يدعم الاقتصاد الوطني ويساعد في تطوير البلد على أسس علمية، وإيجاد حل عاجل للذين تم فصلهم عن العمل مع تسوية أمورهم المالية والإدارية وتنظيم دفع رواتب العاملين في الدولة، وننوه هنا إلى أهمية دور الدولة ومسؤولياتها في معالجة هذه المهام الملحة.
إن المؤامرات التي تحاك من قبل العدو الصهيوني وجهات خارجية تريد تدمير ما تبقى من سورية التي عاث فيها فساداً نظام الاستبداد، ومنعها من بناء قدراتها من جديد، تتطلب من كافة أبناء الشعب رص الصفوف وتنظيم قدراتهم للعمل المشترك في مواجهة هذه المشاريع الهدامة بوعي ومثابرة، وتصويب المسار بشكل إيجابي حفاظاً على المكتسب الذي تمثل بالخلاص من مرحلة الدكتاتورية.
خامساً: إننا في حزب الاتحاد نستنكر الاعتداءات الصهيونية على الجنوب السوري وباقي المناطق الأخرى، ونهيب بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار قرار يلزم قوات الاحتلال بالانسحاب الفوري من الأراضي التي تنظمها اتفاقية فض الاشتباك، والزامها باحترام القانون الدولي الذي ينص بعدم الاعتداء على أراضي الغير بالقوة، واتخاذ العقوبات الرادعة بحقها، حفاظاً على أمن وسلامة المنطقة، في خلق توترات تهدد السلم والأمن الدوليين، مع التأكيد على سلامة وأمن الأراضي السورية.
رسالتنا الأخيرة
ونحن نسجل تخوفاتنا من الأخطار التي تحيط بوطننا، ونسجل ملاحظاتنا على الإعلان الدستوري، نتوجه إلى كافة الاحزاب والقوى السياسية والفعاليات المدنية، العمل على بناء جسم وطني جامع من خلال ميثاق شرف يتوافق عليه الجميع، ليكون سياجاً يحصن عمل المرحلة الانتقالية، ويكون صمام أمان في التوجيه غير المباشر المعبر عن أهداف المرحلة، وغايات وصول سورية إلى بر الأمان، في استعادة دورها الحضاري والمركزي في المنطقة العربية وعلى المستوى الإقليمي والدولي، دولة أمنة في محيطها قادرة على حماية سيادتها وأمنها.
كما نتوجه إلى القيادة السياسية التي تسلمت زمام المسؤولية في هذه المرحلة التي تملك الكثير من الأدوات، وتقع عليها المسؤولية الأولى على إخراج سورية من أزمتها الراهنة والقيام بكل ما هو ممكن لتجاوز الثغرات التي ظهرت في الإعلان الدستوري، وتحقيق أكبر تشاركية ممكنة، وإظهار الثقة والالتزام بإقامة نظام سياسي قائم على الأسس الديمقراطية، والتشاركية السياسية والاجتماعية الموسعة، وتحصين الوطن والشعب وخصوصاً في هذه المرحلة بكل ما يساعد على تجاوز الأخطار التي تحيط به من كل جانب.
إننا نؤمن أن الفشل ممنوع لأنه كارثي على الجميع، والنجاح فريضة لازمة على الجميع القيام به، ووطننا وشعبنا يستأهل كل ما يدفع الفشل ويحقق النجاح.
الأمان لسورية، الرحمة للشهداء، الحرية للشعب السوري.
دمشق 21/ 3/ 2025 المكتب السياسي