بقلم : محمد علي صايغ
بمناسبة اقتراب ذكرى وفاة المفكر السياسي الدكتور جمال الأتاسي في 30 ٱذار عام 2000
اقدم الى هذا المنتدى سيرة حياته ونضاله .
الجزء الثاني
جمال الأتاسي سيرة حياة ونضال طويلة لا يمكن اختصارها في سطور ..
وفي سيرة حياته لابد من التوقف عند فكره ورؤيته السياسية للتغيير .. فلطالما كان في أبحاثه ومقالاته يكرر السؤال : مالعمل ؟؟؟ بعد ان يعرض واقع حال امتنا وما آلت اليه اوضاع اوطاننا ، وهذا الارتكاس الذي حدث بالثورة الناصرية ، وما احدثه غياب عبد الناصر من فراغ كبير نفذت عبره قوى الرجعية والانفصال ، وتربعت النظم الاستبدادية فوق ظهر مواطنيها ، وأحكمت قبضتها بالتعاون مع قوى الفساد والافساد .. فكان يرى أن الفكر الناصري .. هو فكر جدلي .. فكر يصل للكلية التي تتجاوز الأجزاء في منظور واحد .. فكر يبحث عن الكلية التي تربط الأجزاء في قواسم مشتركة .. في تفاعل مع التيارات الفكرية بعملية تفاعلية تجاوزية تصب في نهج استراتيجي ومسار تاريخي وفق منهجية ربط الفكر بحركة الواقع وهو يتغير ، والفعل في هذا الواقع ومواجهة صراعاته ، في موقف ثوري يتطلع دائما للجدوى والهدف .
كما استند في رؤيته السياسية على قاعدة ( النقد المزدوج طريق للاستيعاب ) الذي يستوعب الثابت والمتغير عبر نقد التجربة الناصرية بما لها وعليها، ونقد ذاتي للقوى السياسية ، والقوى الناصرية التي حملت لواء الناصرية وموقعها ودورها وقصورها وإشكالاتها. ورأى أن إشكالية الافتراق بين القواعد الشعبية وبين النخب السياسية لا سبيل لرتق الخلل فيها إلا بوجود طليعة ترتبط عضويا بالكتلة الشعبية العريضة ، وتمتلك القدرة على فهمها وقيادتها وبالتالي وجود الحزب الثوري المعبر عن هذه الطليعة . مؤكدا على عدم الاستكانة للواقع مهما كانت رداءته وانحطاطه ، ومهما تكالبت قوى الردة والقوى الرجعية والانفصالية وقوى التدخل الخارجي في محاولة فرض الأمر الواقع . وبأنه لا يمكن سد فراغ غياب عبد الناصر إلا بقيادة ( وليس فردا ) قوى طليعية تعمل من أجل رؤية وهدف ، وتقود عملية التنظيم والتغيير الجذري وعبر تواصل جيل الثورة مع الجيل الجديد وفهم تجربته ومعاناته وإعطاء الجيل الجديد الفرصة لإبداع الحلول المناسبة لتغيير واقعه . وركز دائما على رفض مذهبة الدولة وتأسيس الدولة الديمقراطية ، دولة كل المواطنين ، ولكل الامة على اختلاف تياراتها الايديولوجية ومذاهبها ومعتقداتها الدينية . وبأن الديمقراطية نظام حكم ، وطريق للخلاص من النظم الشمولية ، والاستبداد السياسي المملوكي ، إنه طريق لإرساء قواعد التداول السلمي للسلطة ، وتسييد حقوق المواطنة والعدالة ، وهو طريق أنجزته البشرية ولا تختص به أو تصلح له أمة أو دولة دون غيرها . إنه طريق للخروج من التفتت والانقسام والتخلف والعجز وصنع حياة كريمة في ظل دولة الحق والقانون ، ومجتمعات مدنية تسوسها روح المواطنية والمساواة ، وقيم الحرية وحقوق الإنسان ، والتجاوب مع الحداثة وروح العصر . وسعى دائما لوحدة العمل الوطني والقومي كمنهج استراتيجي للنضال الوطني وأيضا للنضال القومي ، فهو أحد مؤسسي وحدة القوى السياسية عبر الجبهات والتجمعات والإطارات الوطنية ، والتحالفات والمؤتمرات القومية وتشكيل أوسع تيار وطني في مواجهة نظام الاستبداد الشمولي و تغييره بالوسائل السلمية ، من أجل فرض تحقيق الانتقال السياسي
ويرى أيضا ان تلك الكيانات القطرية القائمة على الاستبداد السياسي والمتصادمة مع النهج الديمقراطي ببعده القومي قد فشلت في درء المخاطر التي تجتاحها لتصل الى أنها باتت مهددة حتى في استمرار كياناتها القطرية . وان ولادة حزب وطني قومي ديمقراطي يتأسس على رؤية ومنهاج يقوم على قراءة جديدة للواقع ، وبلورة جديدة لأساليب العمل ، يطرح رؤيته للتغيير الوطني الديمقراطي في كل ساحة من ساحات الوطن العربي وصولا الى الوحدة القومية . وفي مواجهة الانظمة الاستبدادية يرى اعتماد رؤية غرامشي في استراتيجية ” حرب المواقع ” في العمل السياسي ، بالتقدم إلى المواقع المختلفة في الهيمنة السلطوية، تبدأ من حيث أضعف ثم إلى حيث أقوى، إنها خلع للهيمنة باحتلال المواقع واحداً بعد آخر بالتوجه العام أولاً إلى الجماهير، و أن تأخذ القوى السياسية الثورية مواقعها في قلب القوى الاجتماعية و فئات المجتمع المتعددة، و تنهض بها و من خلالها كل القوى السياسية، و تدخل في توجهات كل وطني وديمقراطي، مقدمة لاستكشاف الطريق إلى حركة الجماهير و تحريضها و بناء تلاحمها الوطني والنهوض بوعيها السياسي، والعودة بها إلى ساحات النضال ككتلة تاريخية فاعلة ، كما يرى أن النهضة هي رؤيةً و فعل، رؤية مستقبل نُحيله حاضراً إذ نقوله، و فعل يحقق هذه الرؤية.. و هكذا تصبح الثقافة رسالة ( و بتعبيرنا نقول سياسة و إرادة تغيير ) “… مؤكد على دور المثقف العضوي ويصفه بأنه يندرج في ” تلك الفئة من المثقفين التي تميزت بموقفها المعبر عن ضمير الشعب و معاناة الأمة، تلك الفئة التي يمكن أن تشكل النواة الصلبة لعمل وحدوي منتج، لتنتقل بوعي قضية الأمة و أزمتها من شكله المضمر في الوجدان الشعبي إلى الشعور الجمعي، حيث يأخذ شكلاً محدد المعالم.. و لتعطي من جديد مفهومها للأمة ووحدة الأمة، و ما تحمله من معان و معايير و مقومات، و من أهداف مستقبلية، و تضع الأمة على طريق تجدد حضاري و نهضة .
ومن الكتب التي صدرت له :
1) “في الفكر السياسي”-دار دمشق، دمشق-1963م، ألفه مشاركة مع ياسين الحافظ، الياس مرقص، وجيل مارتيليه.
2) “إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبدالناصر وعلى فكره الإستراتيجي والتاريخي” –معهد الانماء العربي، بيروت-1981م. ودار المستقبل العربي ، القاهرة 1883.
3 ) “النظام العالمي الجديد”-بيروت-1991م
4 ) “الاشتراكية بين ماضيها ومستقبلها”
5 ) الحوار مقدمة العمل ….
6 ) حوار مع مجدي رياض حول ” الناصرية
7 ) كتب العديد من المقالات الفكرية والسياسية ، وكانت له العديد من اللقاءات والحوارات السياسية مع الصحف المحلية والعربية التي تناولت مختلف مجالات الفكر والسياسة .
كما أنه عمل على ترجمة عدة كتب إلى العربية، منها:
1) “تفكير كارل ماركس: نقد الدين والفلسفة”-جان ايف كالفيز-دار اليقظة العربية، دمشق-1959م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي
2) “المذهب المادي والثورة”-جان بول سارتر-دار اليقظة العربية، دمشق-1960م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي، وقد بدأه الأتاسي بمقدمة نقدية
3) “معذبوا الأرض Les Damnés de la Terre”-فرانتز فانون-دار الطليعة، بيروت-1963م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي، ثم طبع عام 1968م في دمشق (وزارة التربية) ليدرس للصف الثاني الثانوي، ثم عام 1970م بدمشق (وزارة التربية) ليدرس للصف الثالث الثانوي
4) “مدخل إلى علم السياسة”-موريس دوفرجيه-دار دمشق، دمشق، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي
5) “تاريخ الإشتراكية الأوروبية”-إيلي هاليفي-ترجمة جمال الاتاس دار طلس دمشق