رأي الملتقى
5 , أكتوبر , 2024
ارتكز مشروع الهيمنة الإيراني على ركيزتين أساسيتين:
1- نشر عقيدة الولي الفقيه للمذهب الشيعي الاثنا عشري والتي تجد مرجعيتها في شخص المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية بعد انتصار ” الثورة الاسلامية “باعتباره الإمام الذي ينوب عن الامام الغائب وهو الذي يجمع السلطتين الدينية والزمنية، وكونه كذلك يعني منحه صفة مقدسة وأن على الشيعة العرب في كل مكان تقديم الولاء له على أي ولاء آخر.
2- رفع راية القضية الفلسطينية وتحرير القدس ، انطلاقا من تبني حزب الله مقاومة احتلال الجيش الاسرائيلي لجنوب لبنان بين الأعوام 1985 – 2000 وقد كان لافتا كيف أقصى حزب الله بالقوة جميع الفصائل الوطنية والفلسطينية التي كانت تواجه جيش العدو الصهيوني واحتكر لنفسه صفة المقاومة بدلا من أن ينخرط بجبهة وطنية عريضة مع تلك الفصائل ، ليصبح في واجهة معركة التحرير وفي واجهة النصر بانسحاب الجيش الاسرائيلي ، ثم ليحتكر شعار المقاومة فيصبح هو والمقاومة شيئا واحدا ، وحين انسحب الجيش الاسرائيلي من الجنوب ظل سلاحه مقدسا باعتباره سلاح المقاومة ، واتسع مفهوم المقاومة ليصبح الدفاع عن لبنان في ظل ضعف الدولة اللبنانية ، ثم اتسع في مرحلة لاحقة ليضم إضافة لحزب الله المسلح النظام السوري وبعض الفصائل الفلسطينية و الفصائل العراقية الطائفية وميليشيا الحوثي في اليمن وايران التي اعتبرت قائدة الحلف وهكذا تداخل ما هو مذهبي طائفي مع ما هو سياسي وأصبح حلف المقاومة يعرف نفسه بالتضاد مع سياسة الدول العربية في الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها .
لكن مشروع الهيمنة الايراني الذي دخل في تخادم مع الهيمنة الغربية على المنطقة العربية في الغزو الامريكي للعراق واحتلاله وتدمير الدولة العراقية واستخدام الطائفية في تفتيت المجتمع العراقي وقتل مئات الألوف من العراقيين بمن فيهم العلماء وخيرة العسكريين وكذلك بالوقوف ضد ارادة الشعب السوري في ثورته الهادفة للتغيير وإنهاء الاستبداد إلى حد القتال بكل القوة والعنف لدعم النظام وضع نفسه عدوا للشعوب العربية ولآمالها وطموحاتها في الاستقلال والديمقراطية والتقدم.
فكيف يمكن بعد ذلك أن يكون مؤتمنا على أقدس القضايا العربية ونعني بها القضية الفلسطينية؟
أظهرت حرب لبنان التناقضات العميقة التي كان يخفيها مشروع الهيمنة الايراني، فحين كان يستخدم أذرعه في المنطقة تحت ستار مواجهة المشروع الصهيوني إنما كان يحاول الضغط على الغرب عن طريق التسلل إلى المناطق القريبة من حدود الكيان الصهيوني الحالية، ليصبح جزءا من معادلة أمن اسرائيل، وليصبح بيده ورقة هامة يفاوض بها الغرب للاعتراف به شريكا في الهيمنة على المنطقة إلى جانب اسرائيل، لكن ما يحدث الآن يثبت أن تقديراته كانت خاطئة تماما.
فعبر المرحلة السابقة تم التغاضي عن تسلله للعراق ولسورية كون ذلك يخدم مصلحة مشروع الهيمنة الغربي والصهيوني في تدمير الدولتين العربيتين، وحين انتهت تلك المهمة أو كادت أصبح نفوذه في المشرق العربي فائضا عن الحاجة وبدأت عملية قص أجنحة ذلك النفوذ.
حين شعرت الدولة الايرانية أن وجودها المكثف في العراق وسورية وفي لبنان واليمن لم يعد مقبولا من الغرب، لجأت لتحريك الأدوات التي تمتلكها في المنطقة وفق خطة مدروسة هدفها الدفاع عن ذلك النفوذ وخلط الأوراق دون الدخول بمجابهة مع اسرائيل أو مع الولايات المتحدة.
لكن ما حصل في غزة حيث تحولت عملية السابع من تشرين الأول لحرب حقيقية امتدت سنة كاملة وكلفت الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة عبر صمود اسطوري للمقاتلين الفلسطينيين ، مع اضطرار حزب الله للدخول في ” مشاغلة ” مصممة بإتقان لحفظ سمعته كمقاوم دون الدخول في حرب واسعة مع اسرائيل ، وكيف تطور الأمر بسبب طول فترة حرب غزة ، وبسبب بروز فرصة ذهبية لإسرائيل لتصفية الحساب مع حزب الله والقضاء على ترسانته الحربية إلى حرب حقيقية استخدمت فيها اسرائيل أحدث ما لديها من قدرات سيبرانية وتجسسية وتدميرية , كل ذلك أسقط حسابات ايران ، كما أن اغتيال اسماعيل هنية في قلب طهران والذي سبقه اغتيال قيادات عسكرية عليا في دمشق دون رد مناسب ثم اغتيال قيادات عسكرية وسياسية لحزب الله وصولا لاغتيال حسن نصر الله وضع ايران في مركز حرج للغاية كقيادة فعالة لما يسمى بحلف المقاومة .
والضربة الايرانية الأخيرة لإسرائيل ليس هدفها الدخول في الحرب إلى جانب حزب الله بل مجرد استعادة شيء من الهيبة والمكانة التي فقدتها إيران مما وضع مشروعها القومي التوسعي في خطر الانهيار.
لكن هذه الضربة سرعان ما سينفذ أثرها حتى قبل أن ترد اسرائيل، فالجيش الاسرائيلي يتابع تدمير الضاحية الجنوبية بلا رحمة، ويقتل كل يوم كوادر من حزب الله، كما يقصف بعنف مراكزه ومخزوناته المتبقية من السلاح.
وكما بدأ انطلاق مشروع الهيمنة الايراني عبر حزب الله في المنطقة العربية، فسيكون انهياره سببا في انهيار ذلك المشروع.
والحقيقة أن انهيار حزب الله ارتسم منذ تدخل في سورية عبر الاختراقات الواسعة التي من خلال تحول مقاتليه إلى قتلة بدون قضية سوى التعصب الطائفي.
لا يمكن لحزب الله متابعة الحرب دون انخراط إيران إلى جانبه بطريقة مختلفة تماما عما فعلته حتى الآن.
ولا يبدو أن إيران مستعدة لذلك، كما أن حالة حاضنته الشعبية لم تعد تتحمل حربا طويلة كما يفكر السيد نعيم القاسم.
لذا ليس أمامه سوى تجرع سم التراجع والتسليم للدولة اللبنانية، ولاحقا التحول لحزب سياسي.
أما إيران فبافتقادها الدعامة الرئيسية لمشروعها في المنطقة العربية وأعني به حزب الله، فلن يكون أمامها من طريق سوى الانسحاب وأن تحمل عصاها وترحل من حيث جاءت.