مايو 28, 2025
في مقال نُشر بصحيفة “إسرائيل اليوم”، عبّر الباحث الإسرائيلي إيال زيسر عن “دهشته” من تمسّك دول عربية باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، رغم مرور 19 شهرًا على حرب غزة التي خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وفتحت ملفات إبادة جماعية أمام القضاء الدولي.
هذه “الدهشة” لم تأتِ من فراغ، بل تعكس مفارقة سياسية وأخلاقية حادة: كيف تستمر اتفاقيات التطبيع وتُطبع العلاقات مع دولة متهمة دوليًا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في وقت يئن فيه قطاع غزة تحت الحصار والدمار؟
بين الخطاب الرسمي والواقع الشعبي
ما يثير الانتباه أكثر هو أن تل أبيب ليست حاضرة في القمم الخليجية والدولية الأخيرة، كما حدث خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض والدوحة، لكنها ما زالت تعتبر – بحسب زيسر – “الفائز الاستراتيجي”، في ظل حفاظ الدول العربية على مسار التطبيع، بل واستعدادهما لتوسيع دائرته ليشمل لبنان وسوريا.
هنا يتبدّى التناقض العميق بين:
الخطاب العاطفي الرسمي الذي يدين جرائم الاحتلال.
والواقع العملي الذي يدعم استمرار العلاقات الاقتصادية والعسكرية معه.
إسرائيل و”صفقة الاستقرار”: تحالفات رغم الدم
في رؤيته، يعتبر زيسر أن اتفاقيات التطبيع – المعروفة بـ”اتفاقيات إبراهيم” – ما زالت “الطريق الأفضل لضمان استقرار الأمن في المنطقة”، مشيرًا إلى أن التهديدات المشتركة، كإيران والحوثيين، تُقرّب إسرائيل من الأنظمة العربية أكثر من أي وقت مضى.
لكن الواقع يكشف أن هذا “الاستقرار الأمني” يتم على حساب القضية الفلسطينية، وأن ما يُقدّم كتحالفات ضد إيران، يُستغل إسرائيليًا كغطاء لتكريس الاحتلال وتهميش القضية الفلسطينية إقليميًا.
صمت رسمي.. وغضب شعبي
تصريحات زيسر جاءت في وقت تشهد فيه أوروبا تصاعدًا لافتًا في المواقف المناهضة لإسرائيل، تمثّلت في استدعاء السفراء، تعليق اتفاقيات، ودعوات صريحة لوقف تصدير السلاح، بينما تلوذ الأنظمة العربية بالصمت أو الحفاظ على الشعارات الرمزية دون اتخاذ خطوات سياسية فاعلة.
هذا التباين يخلق فجوة أخلاقية متسعة بين الشارع العربي المتضامن بعمق مع فلسطين، والأنظمة الرسمية التي تواصل العمل على تعميق الارتباط بإسرائيل بدعوى “الاستقرار الإقليمي”.
الحرب في غزة: من الماضي؟ أم من الحاضر السياسي؟
ينهي زيسر مقاله بدعوة لطيّ صفحة غزة، و”فك الارتباط” عن الحرب، معتبرًا أن “المستقبل يكمن في السير إلى الأمام”، في إشارة إلى ضرورة تجاوز الجرائم والانتهاكات دون محاسبة.
وهنا يكشف الكاتب الإسرائيلي عن المنطق السائد في تل أبيب: أن الفلسطينيين يجب أن يُنسوا، وأن الدم المسفوك يجب أن يُنسى، وأن الأنظمة العربية مطالبة بالمضي قدمًا نحو إسرائيل، بلا شروط، ولا ذاكرة.
لكن هذا الطرح يصطدم بثلاث حقائق مركزية:
أن غزة لم تنتهِ، بل ما تزال تحت النار والحصار.
أن المجتمع الدولي بدأ يتحرك نحو محاسبة جنائية فعلية لقادة الاحتلال.
أن الرهان على “نسيان الشعوب” غالبًا ما ينقلب على الأنظمة في لحظات التحول التاريخي.
تطبيع ما بعد المجازر.. معادلة هشّة؟
يبقى التساؤل الجوهري: إلى متى يمكن للنُخب العربية تبرير الاستمرار في التطبيع مع دولة متهمة بالإبادة، دون خسارة ما تبقى من شرعيتها الشعبية؟
زيسر، وإن عبّر عن دهشته، فهو يُراهن على بقاء الأنظمة في هذا المسار، لكنه يتجاهل التحولات العميقة التي قد تحدث في الشارع، والتي تهدد بانفجار سياسي أو انكشاف أخلاقي لهذه السياسات.
فـ”اتفاقيات السلام” لا تُبنى فوق جثث المدنيين وأشلاء الأطفال، وإن بُنيت، فإنها ستكون هشة، وسرعان ما تُهدّها رياح الغضب.
يجب على القوى الشعبية والإعلامية في الوطن العربي فضح هذا التناقض بين التطبيع واستمرار العدوان.
على المؤسسات الحقوقية مطالبة الدول المطبّعة بوقف التعاون العسكري والتكنولوجي مع إسرائيل حتى انتهاء العدوان ورفع الحصار.
دعم الأصوات المعارضة للتطبيع داخل هذه الدول وتوفير غطاء دولي لها.
الضغط نحو ربط أي علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع إسرائيل باحترامها للقانون الدولي وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.