المدن – ثقافة
السبت 08 / مارس / 2025
دبابات ومدرعات وراجمات صواريخ متجهة إلى اللاذقية وطرطوس (Getty)
نواف القديمي
ما الذي يحصل في الساحل السوري؟
مساء الخميس جرت عمليات إجرامية في الساحل السوري على يد شبيحة وفلول من بقايا نظام الأسد أدت لمقتل وتصفية عشرات من قوات الأمن العام، والسيطرة على قرى وبلدات وأحياء وسط مدن.. التكتيك كان واضحاً: هو جر البلد لمواجهة طائفية وتهييج أوساط الثورة التي لديها مآسٍ وثارات مع نظام الأسد وشبيحته، ومع ذلك صمتت ولم تقم بأعمال انتقام تقديماً لمصلحة البلد واستجابة لموقف الإدارة الجديدة في سوريا.
مجموعات من شبيحة نظام الأسد وضباط جيشه المُختفين والهاربين في مدن وقرى الساحل يعرفون أنه يتم حالياً البحث عنهم، وأنهم قد يتعرضون للاعتقال في أي لحظة، وأن أياماً سوداء تنتظرهم، لذلك كان هدفهم هو جر منطقة الساحل والعلويين جميعاً للمواجهة، عبر ارتكابهم لعميات قتل وغدر في قوات الأمن، ومن ثمّ تهييج الفصائل المسلحة والاوساط الثورية كي تأتي بأعداد كبيرة إلى الساحل، وسيرتكب بعضها أعمال انتقام ضد العلويين، الأمر الذي سيُكتِّل الطائفة ويُشعرها بالتهديد، ويدفعها للمواجهة، حتى يكون ذلك مقدمة لاقتتال أهلي، يتم بعدها دعوة العالم لحماية العلويين من أعمال الانتقام والتصفية. وطبعاً إيران وحزب الله جاهزون للدعم والمساندة، وغالباً مشاركون في إدارة العمليات.
ما هدف له الشبيحة حصل للأسف، وإن كان في مرحلة البدايات، حيث أتت جموع ضخمة من مناطق سورية متعددة إلى الساحل، من ضمنها بعض فصائل الشمال سيئة السمعة – مثل الحمزات والعمشات وسواهم – وفيهم كثيرٌ من الزعران واللصوص، وربما مجموعات أخرى أتت بدافع الانتقام، وهي من ارتكبت أعمال قتل وتصفية على الهوية ضد المدنيين، وأعمال نهب وتعفيش.
حاولتُ المتابعة بشكل معقول، ولم أجد أي تُهم توجه لقوات الأمن العام أو وزارة الدفاع – هيئة تحرير الشام – بارتكام أي انتهاكات، بل كانت في بعض مناطق الاحتكاك الطائفي تحمي مناطق العلويين من أي اقتحامات.. لكن القرى والبلدات العلوية كثيرة وتمتد على منطقة شاسعة، ومن الصعب حمايتها كلها من قِبل القوات الحكومية المُتشكلة حديثاً وهي محدودة العدد ومشغولة أصلاً بمُطاردة الفلول والعصابات الإجرامية الهاربة وتحرير بعض القرى والبلدات التي سيطروا عليها.
أعتقد أن أي تهييج طائفي يساعد فلول النظام في تحقيق أهدافهم. وعلى الإدارة الجديدة مسؤولية أخلاقية تجاه ما حصل، لأن من بعض قاموا بهذه الانتهاكات محسوبين على الفصائل المنضوية – ولو اسمياً حتى الآن – تحت وزارة الدفاع. وأن الموقف الحازم تجاه من ارتكب جرائم يجب أن يكون من الطرفين.
فؤاد م. فؤاد
سوريا بلد منقسم، وانقساماتها عميقة وقديمة، زاد النظام الأسدي في تعميقها وترسيخها، ولم يستطع النظام الحالي أن يخفف منها، ربما لم يجد الوقت، أو لم يجد القدرة، أو ربما لم يكن لديه الرغبة الكافية لفعل ذلك.
لا يمكن أن تكون الحلول في سوريا حلول قرون وسطى: تطهيرية، إما هذه الجماعة أو تلك. الدم الذي انسفح في سنوات الثورة الاولى، لا يجب أن يستمر سفحه مهما كان السبب ومهما كانت الغاية.
لا يمكن أن تكون دولة مركزية بالقوة أو الغلبة أو centralization by fiat, في مقابل decentralization by default.
المفاوضات بين الجماعات التي تؤلف سوريا اليوم هي الحل الوحيد للوصول إلى قواسم مشتركة ومصالح للبقاء سوياً، وإلا فلا. من تشاء من الجماعات أن تنضم إلى بعضها لتصنع ما يمكن أن يكون دولة بالمعنى الحديث للدولة التي تضم جماعات مختلفة يجمعها احترام للقانون الذي يتفقون عليه، فلتفعله من دون عنف، ومن تشاء أن تكون خارج الجماعة، فلتكن خارجها تماماً من دون إراقة مزيد من الدم لتأكيد رغبتها أن تكون خارجاً. لم يكن النظام الأسدي الإبادي يحتاج أن يرسل مئات الألوف من الشباب الى المعتقلات والقبور الجماعية وتهديم مدن وبلدات ليبقي على “سوريا” يحكمها بالقوة، ولاتحتاج السلطة الحالية إلى “حي على الجهاد” لتكون دولة الجميع بالقوة.
سبع ملايين سوري تركوا البلاد، وهناك ملايين أُخر ينتظرون ولا يستطيعون وغير مرحب فيهم.
هل هذه هي سوريا التي تريدون؟
هل نحتاج لكل هذا؟
بلد انكشف عنها الغطاء
ولا مزيد من التذاكي أو ترقيع بالكلمات.
تيسير خلف احتكار المظلومية
منذ الليلة الماضية لم أنم لدقيقة واحدة وأنا احاول أن أوصل أصوات واستغاثات من أصدقاء علويين تواصلوا معي ويتواصلون على الخاص والواتسآب لكي يخبروني عن استمرار عمليات القتل بحق المدنيين العلويين.
كتبت أكثر من منشور، وتواصلت مع الصديق فضل عبد الغني في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وفعلا قام بتضمين المعلومات التي جمعناها في تقريره الحقوقي المخصص لرصد عمليات القتل الطائفي التي طالت المدنيين العلويين في بانياس وغيرها..
وأيضاً تواصل معي أصدقاء سنة من بانياس أخبروني بأن بيوتهم تعفشت.. وسنّة من جبلة بيوتهم ومحلاتهم تعفشت..
جن جنون البعض حين كتبت أن التعفيش لا طائفة له.
بالنسبة لي السوريين سواء.. علويين أو سنّة أو دروزاً أو مسيحيين.. ولست بحاجة لشهادات وطنية من أشخاص طائفيين يريدون احتكار المظلومية.. هؤلاء الذي تصادقنا على شبكة الانترنت أكثر من عشر سنوات ولم يصدر من الغالبية الساحقة منهم أي إدانة للبراميل والكيماوي رغم أن معظمهم يقيمون في المهاجر..
زياد عبدالله
المجازر في حالات كثيرة لا تمارسها سلطة أو نظام أو جيش، بل تترك الباب موارباً لدخول ميليشيات أو مجاميع أهلية ناقمة ومسعورة لترتكبها بمباركتها، من مجزرة البيضا الرهيبة في بانياس وميليشيات المجرم علي كيالي ورهط من الشبيحة، إلى مجزرة بن طلحة في الجزائر التي ارتكبتها الجماعة الإسلامية بينما قوات الأمن والجيش تتفرج عليها على مبعدة بضعة كيلومترات عن بلدة بن طلحة، وصولاً إلى صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها الكتائب اللبنانية والجيش الإسرائيلي يطوق المخيم ويطلق قنابل مضيئة… كذلك الأمر في الساحل السوري، نعم الهيئة لا ترتكب مجازر كذا.. هو الأمن العام! لكنكم تركتم الباب مشرعاً للفصائل ليمارسوا “أخطاء فردية” بالجملة… إن كان مجيئهم ضرورياً لمحاربة الفلول السفلة فليكن وليقاتلوهم، لكن لا تتركوهم يعيثون قتلاً بالأبرياء!
كتب رياض الحسين : سقوط الساحل: مشاهد من يوم مفصلي
في مساء الخميس، السادس من آذار، كنا في مدينة اللاذقية لتغطية الأحداث الميدانية، حين لاحظتُ وزميلي صهيب تحليق طائرة حربية روسية على ارتفاع منخفض فوق المدينة وأريافها. كان ذلك غير مألوف خلال فترة وجودنا هناك منذ سقوط نظام الأسد البائد.
حينها، وردتنا أنباء عن كمين نصبته فلول النظام في قرية بيت عانا بمنطقة بانياس، حيث استهدفوا عناصر من الأمن العام، ولم يكتفوا بذلك، بل استهدفوا أيضاً سيارات الإسعاف التي هرعت لنقل المصابين. بحكم عملنا الصحفي، توجهنا إلى هناك لتغطية الحدث.
وأثناء مرورنا بمنطقة جبلة، تجاوزنا رتلاً عسكرياً تابعاً لوزارة الدفاع كان متجهاً إلى الموقع نفسه لتعزيز قوات الأمن هناك. لم نبتعد كثيراً حتى سمعنا دوي انفجار عنيف، أعقبه إطلاق نار كثيف استهدف الرتل بشكل مباشر. أوقفنا السيارة وبدأنا بالتغطية، لكن هذه المرة كان المشهد مختلفاً؛ إذ استخدمت فلول النظام أسلحة ثقيلة، منها قذائف الهاون وRPG، واستمر الاشتباك دون توقف لأكثر من ساعة ونصف، في تكتيك لم نعهده من قبل.
بعد انتهاء التغطية، قررنا مغادرة المنطقة نظراً لخطورتها، وعدنا باتجاه اللاذقية. لكن في طريق العودة، وقعنا في كمين آخر عند جسر حميميم، حيث تعرضت سيارتنا لإطلاق نار مباشر من المسلحين المتمركزين فوق الجسر وعلى جانبيه. أصابت إحدى الرصاصات فخذي، بينما اخترقت أخريات إطارات السيارة وجسمها، مما اضطرنا لمواصلة القيادة على الجنط لمسافة تزيد عن تسعة كيلومترات، حتى وصلنا إلى مستشفى تشرين الجامعي، ومنه إلى مستشفى خاص داخل المدينة.
داخل المستشفى، الذي يقع في حي ذي غالبية علوية، بدأت أصوات اشتباكات جديدة تتعالى في الخارج. وأصوات لمسلحين يسحبون الحاويات والأحجار إلى منتصف الطريق في محاولة لإنشاء حاجز عند مدخل المستشفى. وعند سؤالنا الممرضين عن هويتهم، قيل لنا إنهم من فلول النظام، وقد انتشروا في الحي وسيطروا عليه.
في تلك الليلة، سقط الساحل السوري بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يتبقَ سوى مجموعات متفرقة من وزارتي الدفاع والداخلية محاصرة داخل ثكناتها، فقد كان الهجوم مدبراً ومنسقاً بدقة. كما أنني لا استبعد الدعم الروسي، إذ إن الطلعات الجوية المكثفة فوق المنطقة، إلى جانب انطلاق الهجوم قرب قاعدة حميميم العسكرية، يشير إلى وجود تنسيق عسكري محتمل.
ما أثار دهشتي في ذلك اليوم، هو مشهد خروج الشبان من منازلهم في اللاذقية مدججين بالسلاح والذخائر فور سماعهم بالاشتباكات، وانضمامهم إلى فلول النظام، وهو ما يعكس حجم الأسلحة المخزنة داخل المدينة، وعدم تسليمها للدولة الجديدة. كما كشف الحدث أن التنظيم العسكري لما يُعرف بـ درع الساحل لم يكن بالحجم الكبير، إذ لعب التحاق الشبان المسلحين غير المنظمين دوراً أساسياً في إعاقة تحركات التعزيزات العسكرية القادمة إلى المدينة.
في تلك الليلة، أطلقت المجموعة المسلحة المتمركزة عند مدخل المستشفى النار عدة مرات، تجاه أشخاص سمعنا صراخهم، لم نتمكن من معرفة مصير المستهدفين، لكن أصوات المسلحين كانت توحي بأنهم لم يترددوا في إطلاق النار في وجه المدنيين. وإذا كان ما شهدناه نموذجاً لما حدث في بقية أحياء المدينة والمناطق الأخرى، فهذا يفسر عدد المدنيين القتلى الذين وجدوا في المدنية.
إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً؛ فمع حلول ساعات الصباح الأولى، وعند سماعهم بوصول تعزيزات شعبية قادمة من إدلب نحو الساحل السوري، انسحبت هذه المجموعات المسلحة سريعاً واختفت، واستعادت الدولة السيطرة على الساحل مجدداً.
الخلاصة لقد استهانت فلول النظام بقوة الدولة الجديدة، وظنت أنها قادرة على السيطرة على الساحل من خلال هذا التحرك العسكري المفاجئ، إلا أن أبناء الثورة الذين ضحّوا بكل شيء من أجل نصرتها، أثبتوا أنهم قادرون على الدفاع عن مكتسباتهم. فقد كان تكاتفهم وحرصهم على وحدة سوريا أقوى من أي مخطط لتقسيمها، ورسالة واضحة لكل من يريد سرقة نصرهم.
فسوريا واحدة، لا تقبل القسمة.
كتب الدكتور عدنان عيد
الساحل
سبعة أيام على ساعة الصفر ..
سبعة أيام مدينة جبلة بدون أيّ مشفى ،
الآن بعد أن هدأت الأمور، سأحكي مالذي حدث كـشاهد عيان من أرض الميدان
تم سحب أرتال الأمن العام للدالية، بادّعاء تسليم الأهالي هناك أكبر مخزن للسلاح في الساحل السوري
كان كمينا، حوصر الرتل وقتل وأسر من فيه نحو مئة شهيد في هذا المكان وحده
دعى الأمن للتفاوض لتسليم الأسرى والمجرمين إلّا أن الدعوات قوبلت بالاستهزاءات،
انضم مدنيون من أيتام الأسد للفلول، ممن صدقوا دعوات فتيحة، والمستفيدين من السلطة سابقا، ونزلوا إلى الشوارع ، والساحات ، وقطعوا الطرقات في الجبيبات ، والفروة ، وبعض المناطق ..
بدأت عمليات توزيع السلاح للمدنيين من قبل الفلول وبعضهم كان يخفي السلاح ، وبدأت نداءات حيّ على الكرامة ، وتوزيع القناصين على أسطح الأبنية
تم نصب كمين آخر على الكورنيش البحري، من جهة الفيلات ، استشهد فيه عناصر من الأمن العام في مدينة جبلة، وتم محاصرة من هم داخل الكلية البحرية، والمشفى الوطني، ومشفى النور التخصصي ،وبهذا كانت جبلة تحت الحصار بشكل كامل، بدون قوّات أمنية ولا سلاح ولا مشافي ..
أطلق الفلول ومن معهم الرصاص على كل شيء يمشي أو يتحرك، سيارات الأهالي، والإسعاف، والأمن العام، وبدأت الاصابات بالتوافد وقمنا بتحويل المصابين بالزوارق البحرية لانقطاع الطرقات، حيث كانت الفلول تستهدف كل سيارة مع التركيز على كل سيارة لوحتها ادلب،
جميع المصابين كانوا يتحدثون عن إطلاق نار من شرفات المنازل في الشارع الممتد باتجاه الفروة وغيرها من الشوارع، ونقطة دوّار المشفى الوطني، بفيديوهات مصوّرة وموثّقة للتلفّظ بعبارات طائفية وهم يفجّرون سيارة بداخلها مدني قتلته قناصاتهم، ورغم ذلك قاموا برمي القنابل داخلها وإحراقها ..
إلى هذه اللحظة لم تكن الفصائل قد دخلت بعد، أي أنّ الذي قتل هو مدني ..
استبسل أهل مدينة جبلة بالدفاع عنها بسلاح معدود و حفنة من الذخيرة، وقاوموا حتى ساعات الصباح الباكر ..
عند السادسة صباحاً وفي الجهة الجنوبية من المدينة تحديداً، استماتت الفلول للدخول من جهة جسر أم برغل، واستشهد من المدنيين المرابطين ما يقارب ٧ في هذه المنطقة وحدها، إلى أن دخلت الفصائل وفكت الحصار عن أهل المدينة المحاصرين
تم احتجاز الكوادر الطبية في غرف مقفلة ..
تم الاعتداء على المشفى الوطني بالرصاص وقذائف، والاعتداء على مدينة جبلة بقذائف الهاون، والاعتداء على طواقم الاسعاف،
علم الكثيرون من الفلول ومؤيديهم بالعملية قبل حدوثها، حيث أغلقوا المحلات وأخلوا الشوارع بلحظتها ، وتحركوا اعلاميا للمبالغة بالتجييش والتحريض والخيانة
نعم جبلة أفلشت مخطط الفلول للسيطرة عليها، ودفعت ثمن الأمان للبلاد.
الخيانة والغدر واستخدام الفلول للمدنيين وتسليحهم والضرب من الشرفات والأماكن المدنية جعل التفرقة بين الفلول والمدنيين عملية صعبة للغاية، يتحمل وزرها الفلول ويجب محاسبتهم عليها