من كتابة بوراك أونفيران, إسماعيل عزام
WD Arabic
الأربعاء 04 / سبتمبر / 2024
التقارب بين مصر وتركيا بدأ منذ نهاية 2020، لكنه تعزز هذا العام ومن المرتقب أن يتطور أكثر مع زيارة السيسي لأنقرة. لكن حرب غزة أعطت دفعة لعلاقات من كانا عدوين إلى أمس قريب. كيف ذلك؟
“مصالح مشتركة”.. أيّ دور لعبته حرب غزة في تقارب السيسي وأردوغان؟ © Murat Cetinmuhurdar/TUR Presidency/AA/picture alliance
في أول زيارة له إلى تركيا، يسافر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وفق ما أكدته مصادر إعلامية تركية. تشكّل الزيارة حدثا تاريخياً بسبب العداوة السابقة بين الرجلين منذ سقوط نظام محمد مرسي، لكن من جانب آخر، فإن الزيارة متوقعة، خصوصا أن الرئيس التركي زار بنفسه القاهرة، في فبراير/ شباط الماضي، ما يجعل الدولتين في مسار مستمر لتطوير العلاقات بعد قطيعة دامت عشر سنوات. لكن السؤال، هل يصل ذلك إلى إقامة تحالف بين أنقرة والقاهرة؟
جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية بالقاهرة يقول لـ DW عربية بهذا الخصوص إن “منطقة الشرق الأوسط هي منطقة تتقاطع فيها المصالح بين الدول، ويصعب الحديث عن تحالفات في المنطقة، لكن هناك ائتلافات تتكون وفقًا لمصالح جزئية هنا وهناك”، وهنا يؤكد عبد الجواد على أن تركيا بالنسبة لمصر شريك مفيد في عدة قضايا، الملف الليبي، وقضايا القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وكلها مناطق تشهد تواجدا أو نفوذا تركياً معينا.
من جانبه يرى مدحت رندي، السفير التركي السابق في قطر وعضو مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية التركي، إن اقتصادي البلدين يتكاملان: “المصريون لديهم طاقة كبيرة للعمل، والأتراك يملكون بنى تحتية صناعية جيدة”، مشيرا لـ DW إلى أن تعاون الطرفين يتيح لهما فوائد كبيرة في التجارة العالمية، وذلك باستحضار أهمية مضائق إسطنبول التركية وقناة السويس المصرية، ومع استحضار تحول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى صراع، فستكون هذه الممرات مهمة جدا في سلاسل التوريد العالمية.
مضيق البوسفور نقطة تتلاقي فيها مصالح مصر وتركيا إلى جانب نقاط أخرى على البحر والأحمر وقناة السويس © Yoruk Isik/REUTERS
حرص تركي على الصلح
الرغبة في الصلح كانت تركية بشكل كبير، واندرجت في بحث أردوغان عن تقليل التوتر مع الكثير من العواصم العالمية وبدء صفحة جديدة معها منذ عام 2020، لذلك وقع تقارب مع دول في الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع الإمارات التي زار ولي عهدها آنذاك (رئيس البلاد حاليا) محمد بن زايد أنقرة والتقى مع أردوغان، وهو ما أرجعه خبراء إلى سعي أردوغان للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الصعبة في بلاده، فضلا عن تخفيف ما بدأ يظهر أنه عزلة لتركيا في محيطها الدولي والإقليمي.
من جانبها، لا تزال مصر في عهد عبد الفتاح السيسي تصنف حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية، ولم تخفف السلطات من قبضتها تجاه الحركة، إذ قضت محكمة مصرية في شهر مارس/ آذار الماضي، بالإعدام في حق مرشد الجماعة محمد بديع، وسبعة قياديين آخرين، في قضية تعود لعام 2013، ويوجد بديع في السجن منذ هذا التاريخ، لكن من جانب آخر، توقف الإعلام المصري، وضمنه الإعلام المحسوب على السلطة، عن الهجوم على أردوغان، وبدأ يركز أكثر على التعاون المرتقب بين تركيا ومصر.
أما أنقرة فقد “راهنت على صعود تيار الإسلام السياسي في المنطقة، متصورةً أنه بإمكانها الاستفادة من صعوده لتكون قائدة له، بناءً على ذلك، تدهورت العلاقات المصرية التركية بعد فترة الإخوان المسلمين” كما يقول جمال عبد الجواد، موضحا أن القيادة التركية “بقيت تراهن على استعادة حكم الإخوان في مصر، لكنها أدركت أن هذا التصور غير واقعي، لذلك عادت إلى موقف الاعتدال والمصالحة “.
حرب غزة أعطت دفعة للتقارب؟
ليس التقارب بين الجانبين جديدا، لكنه تعزز مع حرب غزة، فبعد اندلاعها بأربعة أشهر، زار أردوغان القاهرة. حاليا تعدّ مصر الفاعل الأساسي، إلى جانب قطر، في مفاوضات وقف إطلاق النار. ورغم توتر العلاقة التركية-الإسرائيلية مقابل شبه استقرار في العلاقات المصرية- الإسرائيلية بسبب الحرب وتحديدا الخسائر البشرية المرتفعة في قطاع غزة، فإن هناك من يرى أن ظروف الحرب ساهمت في دفع التقارب المصري- التركي.
وبالنسبة لسيلين ناسي، الباحثة في مركز أنقرة للسياسات، فإنه “لا توجد دولة في المنطقة راضية عن تصرفات إسرائيل، لكن التقارب بين مصر وتركيا هو نوع من الزواج العقلاني” حسب تصريحها لـ DW، مؤكدة أنه حتى لو كانت الدولتان غير متفقتين، إلا أن مصالحهما تتوافق. كلاهما يريد وقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وتأسيس دولة فلسطينية.
ورغم استبعاد تركيا من المفاوضات، فلا تزال ترغب في لعب دور بناء، وفق ناسي، وهو “دور لا يمكن تحقيقه إلا بالتعاون مع مصر”، فحتى إرسال المساعدات التركية إلى غزة، يحتاج دعما مصريا بحكم أن جلها يمرّ عبر معبر رفح، تضيف الخبيرة.
ويؤكد جمال عبد الجواد، أن تركيا لها دور مهم جدا في هذا السياق، بحكم علاقتها “الإيديولوجية” بحركة حماس (المصنفة إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي)، وأن هذه العلاقة مهمة جدا في مفاوضات إطلاق النار، لافتا أن هناك توافقًا كبيرًا بينمصر وتركيا فيما يخص حل الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصا تبني حلّ الدولتين، ما يجعلهما “جزءًا من كتلة إقليمية تضمهم مع دول الخليج في مواجهة تحالف راديكالي يرفع شعارات جذرية ويرفض التسوية، كما استفاد من حرب غزة لإظهار قوته”.
ويتفق مدحت رندي مع هذا المعطى ويؤكد أن “إسرائيل كانت ترغب دوماً أن يحدث تقارب بين تركيا ومصر، وأن يتم دعم كتلة إسلامية تبحث عن استقرار المنطقة في مواجهة إيران، لا سيما عندما يتعلق الأمر ببلدين يملكان اثنين من أقوى جيوش المنطقة، واثنين من أكثر المجتمعات تعليما في العالم الإسلامي”.
كيف بدأ الصلح؟
بدأت الإشارات الإيجابية بين الطرفين نهاية عام 2020 عندما وقعت اتصالات بين الأجهزة الأمنية للدولتين بشأن الوضع في ليبيا بغية تفادي تصاعد التوتر بينهما على أرض أجنبية، وجاء ذلك بعد تدخل كل واحد منهما لدعم طرف دون آخر في الحرب الليبية بين قوات حكومة الوفاق وقوات خليفة حفتر. ثم جاءت تصريحات رسمية تركية بأن هناك رغبة في التفاوض لترسيم الحدود مع مصر في شرق البحر المتوسط.
بعثت أنقرة إشارات إيجابية عديدة للقاهرة قبل استئناف العلاقات، منها وقف بث برامج الإعلام المصري المعارض من الأراضي التركية، لكن التحرك التركي تأثر كذلك بعودة الدفئ للعلاقات بين مصر وقطر في تلك الفترة، علماً أن أنقرة والدوحة كانا أكبر داعمين في المنطقة للإخوان المسلمين، الخصم اللدود لعبد الفتاح السيسي.
وتعززت إشارات الصلح بزيارة وفد تركي رفيع المستوى للقاهرة عام 2021 والتباحث في كيفية عودة العلاقات لطبيعتها، ثم جاءت الصورة التي جمعت بين رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح في مونديال قطر 2022 لتؤكد استمرار ذوبان الجليد بين النظامين، قبل أن يتم إعلان رفع العلاقات الدبلوماسية بينهماإلى مستوى السفراء صيف 2023.
الكاتب: بوراك أونفيران, إسماعيل عزام