مفهوم نضالي عملي، وليس شعاراً يغنى عند اللزوم لتسجيل براءة الغياب الفعلي …
سؤال ــ
كيف استطاع عبد الناصر، هذا القومي، أن يتلمس آلية السيطرة الإمبريالية على الوطن العربي ، وأن يربط بالتالي ربطاً جدلياً بين الثورتين القومية والاجتماعية؟
جواب –
لم يكن عبد الناصر قومياً عادياً تقليدياً ، بل كان قومياً متطرفاً . هذه السمة، مضافأ إليها ارتباطه الصميم بالشعب (لا بالأمة فحسب) وحسه التاريخي، كفلت لوعيه مزيداً من التقدم ومزيداً من التطرف. لذا فإن كل نظرة سكونية وتجزيئية إلى عبد الناصر لن تكون سوى نظرة سطحية، ومزيفة بالتالي.
عندما كانت الحركة الوطنية المصرية في مجملها، بما فيها اليسار الأكثر عداء للإمبريالية، سجينة أفق إقليمي مصري، أدرك عبد الناصر أن استقلال مصر السياسي الحقيقي الكامل لن يتحقق بالقضاء على النفوذ الاستعماري في مصر، بل لا بد من تصفية هذا النفوذ في الوطن العربي . انطلاقاً من هذه النقطة بالذات نمت بذرة الاتجاه العربي الوحدوي لدى عبد الناصر، لتصبح نزوعاً عميقاً مسيطراً وهاجساً رسالياً . وهذا النزوع بالذات، الذي لم يغفره له الغرب، كان عنصراً أساسياً في عظمة عبد الناصر ونقطة مقتله.
ومن هنا لم تكن الوحدة، لدى عبد الناصر، تجسيداً لفكرة مطلقة أو عودة الأمة إلى وضع سوي (كالبعث)، كما أنها لم تكن نافلة “قومية برجوازية” يمكن قبولها (قبولها فحسب) بعد التحرر والاشتراكية (كالشيوعيين). إنها عملية تاريخية، تتحقق مع النهضة العربية وبها، وهي على كل حال أرضية لا بد منها للاستقلال التام.
هذا القومي المتطرف، الذي توصل إلى المنظور الوحدوي عبر وعيه لطبيعة السيطرة الإمبريالية، ما لبث أن التقط ، بسبب هذا الوعي ، حقيقة كون البنية القديمة للمجتمع تشكل هي الأخرى المرتكز الثاني للهيمنة الإمبريالية. ومن هنا كان الهاجس الثاني لعبد الناصر هو التنمية. وفي محاولته تجديد بنية المجتمع تعمق وعي عبد الناصر أكثر فأكثر بحقيقة الهيمنة الإمبريالية من جهة، واصطدم من جهة أخرى بمقومات وكوابح التنمية متمثلة في الطبقات المستغِلة وفي البنى التقليدية للمجتمع. ومن هنا جاء ربط عبد الناصر الجدلي للثورتين القومية والاجتماعية. ما هو قومي متطرف مرتبط بتحديد ما هو اجتماعي، وما هو اجتماعي يفتح آفاقاً جديدة لما هو قومي ويعطيه محتوى جديداً. ومن هنا نستطيع تفسير انتقال عبد الناصر من فكرة الأمة إلى الشعب ثم إلى الشعب العامل ، ثم إلى الطبقة العاملة، ومن هنا أيضاً ربط عبد الناصر بين الوحدة والاشتراكية، هذا المكسب الثمين لتطور الحركة القومية العربية، وهذا الزخم الذي منح للتيار الاشتراكي . ولهذا كان وعي عبد الناصر متفوقاً على وعي اليسار العربي التقليدي : الاشتراكية ليست نظاماً يضاف إلى النهضة القومية بل هي شرط من شروطها، كما أنها ليست مرحلة مقبلة تأتي بعد التحرر لأنها شرطه في ظل الآلية الجديدة للسيطرة الإمبريالية.
منقول فيس بوك