توفيق_هيشور
حين صرخ المفكر العظيم عبد الوهاب المسيري محذرًا من أن إسرائيل كيان وظيفي لا أخلاقي، لا يعيش إلا بالدماء والدعم الخارجي، رآه كثيرون مجرد مفكر متشائم. لكن الأيام كشفت أن المسيري لم يكن نبيّ تشاؤم، بل صوت الحق وسط ضجيج الأكاذيب. واليوم، وعلى لسان رأس البراغماتية الأمريكية دونالد ترامب، نسمع ما هو أخطر: “إما أن تُنهي إسرائيل حربها، أو نتخلى عنها.” هكذا ببساطة، ومن قلب الدولة التي طالما صنعت لإسرائيل مجدها الزائف، يأتي الإعلان عن بداية النهاية… أو لنقُل: لحظة تسديد الفاتورة.
خسائر أمريكا من الكيان: نزيف المال والهيبة والسمعة
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام داعمًا مجانيًا لأي طرف، إلا حين تعلق الأمر بالكيان الصهيوني. أكثر من 300 مليار دولار أُنفقت على هذا الكيان منذ 1948، دعماً مالياً وعسكرياً وتقنياً، إضافة إلى الحماية السياسية في المحافل الدولية. لكن السؤال الذي بات يقضّ مضجع صناع القرار الأميركي: ماذا جنت واشنطن من هذه العلاقة؟
الجواب: عداء شعبي متزايد في العالمين العربي والإسلامي، سخط داخلي في الجامعات والشوارع الأميركية، خسائر دبلوماسية أمام الحلفاء الأوروبيين، وانكشاف أخلاقي مهين. إسرائيل اليوم أصبحت عنوانًا للعنف والتطرف، ولم يعد أحد قادرًا على تبرير جرائمها، حتى من بين أقرب الحلفاء. كل يوم تقتل فيه طفلاً، تفقد أمريكا جزءاً من مصداقيتها. كل قصف على غزة، هو صاروخ يرتد نحو هيبة واشنطن، ويصيبها في جوهر خطابها عن “الحرية وحقوق الإنسان”.
ترامب، وهو الذي لا يعرف المجاملة ولا يعبأ بالأقنعة، أدرك أن بقاء إسرائيل على هذا المسار يعني إغراق السفينة الأميركية بصخرة صهيونية لا ترحم. لذا، لم يتردد في إنذارها: إما أن تُنهي الحرب، أو نرفع الغطاء. رسالة واضحة وصارخة، تعبّر عن انكسار في التحالف القديم، وتحوّل استراتيجي لا مفر منه.
من أكتوبر المجيد إلى مقاومة اليوم: مشروع التحرير لا يموت
لكن الحقيقة الأعمق من تصريح ترامب، هي أن المقاومة، منذ عقود، هي التي دفعت أمريكا دفعًا نحو هذا الإدراك. رجال السابع من أكتوبر لم يحرروا الأرض فقط، بل حرروا العقل العربي من عقدة التفوق الصهيوني. في السابع اكتوبر انهارت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وتهاوى الغرور الصهيوني تحت ضربات أبطال المقاومة الذين علموا العالم أن الإرادة تنتصر على التفوق.
ومن تلك اللحظة، بدأ مشروع المقاومة يتحول إلى عقيدة متجذرة. لم يعد الكفاح ردّ فعل، بل فعلًا إستراتيجيًا يحمل مشروعًا واضحًا: تحرير الأرض، واستعادة الكرامة، وفضح الأكاذيب التي تبرر وجود كيان قاتل على أرض مغتصبة.
ما يجري اليوم في غزة والضفة، ليس مجرد جولة صراع. بل هو فصل حاسم في معركة طويلة، تُخاض بأدوات مختلفة، لكن بجذر واحد: الرفض المطلق للاحتلال، والإيمان المطلق بأن المقاومة ليست خيارًا، بل قدر الأمة.
ختامًا : المسيري كان يرى المستقبل… ونحن نعيشه الآن
لقد صدق عبد الوهاب المسيري حين قال إن إسرائيل ستصبح يومًا عبئًا على الغرب قبل أن تنهار. وها هو التاريخ يثبت أن كل طلقة من فوهة بندقية مقاوم، وكل شهيد يسقط على ثرى فلسطين، لم تكن دماؤه تذهب هدرًا، بل كانت ترسم حدود الانحدار الأمريكي في مستنقع صهيوني قذر.
نعم، بدأت أمريكا تتململ. وبدأت تعيد النظر في تحالفها التاريخي. وهذه ليست رحمة من واشنطن، بل ثمار تضحيات المجاهدين، وصمود الأمهات، ونضال الأجيال.
إسرائيل اليوم ليست دولة، بل كابوس سياسي وأخلاقي لأمريكا نفسها. وساعة الحساب تقترب، لا لأنها استنفدت فائدتها فقط، بل لأنها سقطت أمام الحقيقة: لا مستقبل لمستعمر في أرضٍ حرة، ولا مكان لمحتل في زمن المقاومة.
والمقاومة… باقية، ما بقيت الأرض والعقيدة والكرامة
ولا_غالب_إلا_الله