موقع الخنادق
الأربعاء 06 تشرين ثاني , 2024
طيلة الأشهر الماضية التي سبقت الانتخابات الرئاسية الاميركية، كانت الأنظار تتجه نحو شخص الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن لكل طريقته في الإدارة، إلا أن ثوابت السياسة الخارجية الاميركية لا تتغير بشكل جذري بين ادارة وأخرى وبفترة وجيزة. اذا أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة هي من تمسك بقبضة حديدية بالمصالح وعلى رأسها شركات الأسلحة ومراكز الدراسات التي تمولها، كما أن حوالي 80% من أعضاء الكونغرس والخبراء العاملين فيه، يتقاضون أموالاً منها أيضاً.
في الممارسة العملية، غالباً ما تمنح جلسات الاستماع الخبراء الذين يتم تمويل أصحاب عملهم من قبل المصالح الخاصة منصة للضغط علناً على الكونغرس. وتشير مجلة ريسبونسيبل كرافت إلى أن عدد الشهود غير الحكوميين الذي ادلوا بشهاداتهم أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (وهي الهيئة التي تشرف عليها سلطات الحرب وصادرات الأسلحة) بين عامي 2021 و2024 وصل عددهم إلى 378 شاهداً، وثلث هؤلاء ينتمون إلى عالم مراكز الفكر.
ويظهر تحليل لفن الحكم المسؤول للتقارير السنوية لمراكز الأبحاث وقوائم شهود الكونغرس أن غالبية مراكز الفكر الممثلة في قائمة الشهود تقدم شيكات نقدية من مصنعي الأسلحة والحكومات الأجنبية. يعمل 89% من الشهود المنتسبين إلى مراكز الأبحاث في منظمات تقبل تمويلاً من الحكومات الأجنبية. والرقم أقل قليلا فقط بالنسبة لصناعة الأسلحة. 79٪ من الشهود المنتسبين إلى مراكز الفكر يمثلون منظمات تتلقى تبرعات من أكبر 100 متعاقد مع البنتاغون.
وأقل من 7٪ من شهود مراكز الأبحاث ينتمون إلى منظمات تنشر قائمة بمانحيها وتقول إنها لا تقبل التمويل من كل من مقاولي البنتاغون والحكومات الأجنبية. وبعبارة أخرى، يتم استدعاء مراكز الأبحاث التي لديها متعاقد مع البنتاغون أو تمويل من الحكومات الأجنبية للإدلاء بشهادتها ما يقرب من 14 مرة أكثر من مراكز الفكر التي ليس لديها هذه الروابط المالية.
والأموال المتدفقة من مقاولي البنتاغون والحكومات الأجنبية إلى هذه المراكز البحثية لم تكن بسيطة. كما هو موثق في موجز معهد كوينسي القادم حول تمويل مراكز الأبحاث، بين عامي 2021 و 2024، تلقت مراكز الفكر التي تم تمثيلها على منصة الشهود ما لا يقل عن 20 مليون دولار من أكبر 100 متعاقد مع البنتاغون و 64 مليون دولار من الحكومات الأجنبية. على الرغم من ذلك، من المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير، بالنظر إلى العالم الغامض لمراكز أبحاث الأموال المظلمة، والمانحين المجهولين، ونطاقات التمويل المضللة.
بين عامي 2021 و 2024 ، كان 34٪ فقط من شهود مراكز الأبحاث من منظمات تكشف بالكامل عن مانحيها. وينحدر ثلث آخر من الشهود من مراكز أبحاث المال الأسود، والثلث الأخير ينتمي إلى مراكز أبحاث تتسم بالشفافية الجزئية فقط. بعض كبار الشهادين، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومعهد أمريكان إنتربرايز، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى – وكلها مراكز أبحاث غالبا ما تروج لسياسة خارجية أمريكية أكثر عسكرية – لا تكشف عن أي معلومات عن الجهات المانحة. “إن فكرة أن مراكز أبحاث المال الأسود تدلي بشهاداتها بانتظام أمام الكونجرس دون تقديم تفاصيل حول تمويلها أمر مثير للقلق. إنه يقوض الثقة في مراكز الفكر والخبراء”. تضيف مجلة فن الحكم المسؤول في مقالها.
تعد شركات الأسلحة الأميركية التي يمتلك نحو 18 عضواً في الكونغرس مع زوجاتهم واقاربهم أسهماً فيها، هي الأولى عالمياً، حيث وصلت أرباحها من غزو كل من أفغانستان والعراق أكثر من تريليوني دولار، دون ذكر فيتنام وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين وغيرهم…
من بين هذه الشركات، شركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin التي يصل عدد العاملين فيها إلى 115 ألف عامل، وشركة رايثيون Raytheon التي يتجاوز عدد العاملين فيها الـ 63 ألف عامل، حيث بلغت عائدات وأرباح الشركتين خلال العام الماضي ما يقدر بـ 130 مليون دولار.
وفي تقريره الصادر عام 2020، أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ان حجم عائدات شركة لوكهيد مارتن وصل عام 2019، إلى 53,23 مليار دولار من سوق الأسلحة العالمية أي ما يعاد 89%. فيما وصل حجم الأرباح لشركة رايثيون حوالي 87%، بينما تدرجت أرباح الشركات الأميركية الأخرى: شركة بوينغ 33.58 مليار دولار أي ما يعادل 44% وشركة جنرال دايناميكس 24.5 مليار دولار أي حوالي 62%.
ونتيجة الضغوطات الحثيثة والمستمرة للوبي العسكري في واشنطن، إضافة لتشابك المصالح والعلاقات بين مالكي هذه الشركات ورواد صانعي القرار في البلاد، وعدد كبير من بلدان العالم أيضاً، خاصة تلك التي تشتري الأسلحة الأميركية بشكل مستمر وأبرزها دول الخليج، سيصبح مفهوماً أسباب مماطلة الولايات المتحدة في عدد من الدول كاليمن وأوكرانيا وأخيراً في قطاع غزة ولبنان، والذي يدخل الاستثمار العسكري في طليعتها.